والحاصل أن يقال : إيجاب أفعال عديدة على سبيل التخيير بينها إنّما يقضي بحصول ذلك التكليف بأداء واحد منها لا غير ، فلا وجه للحكم بوجوب ما يزيد عليه ، بل ولا الحكم بمشروعيّة ما يزيد على ذلك حسب ما عرفت ، فلا وجه للقول باتّصاف الجميع بالوجوب على الوجه المذكور ، بل ليس أداء الواجب إلّا بأحدها الدائر بينها. ولو عبّر عن مجرّد صلوح كلّ واحد منها لأداء الواجب باتّصافه بالوجوب فذلك مع كونه بحثا لفظيّا لا محصّل له ممّا لا يساعده الاصطلاح والإطلاقات هذا.
ويمكن أن يقال : إنّه مع أفضليّة بعض تلك الأفعال وزيادة ثوابه يستحقّ تلك الزيادة ، نظرا إلى إتيانه بما يوجبه ، ومع استحقاقه أجر الأكثر يكون أداء الواجب به أيضا ، إذ لولاه لما استحقّ أجره ، وكان هذا هو الوجه فيما ذكره السيّد.
ويشكل : بأنّه كما أتى بالأكثر ثوابا فقد أتى بالأقلّ ثوابا ، ونسبة الواجب إليهما على نحو سواء ، ومجرّد زيادة الثواب لا يقضي بالترجيح حتّى ينصرف أداء الواجب إليه.
ويمكن دفعه : بأنّه لمّا قرّر الشارع مزيد الأجر على بعض تلك الأفعال وقد أتى المكلّف به قضى ذلك باستحقاقه تلك الزيادة ، وليس الإتيان بالأقلّ ثوابا نافيا لاستحقاقه الأكثر ، غاية الأمر أنّه لا يقضي باستحقاق الزائد فلا معارضة بين الأمرين.
وفيه : أنّه لا يستحقّ ثواب الأكثر إلّا مع حصول الامتثال به وكونه أداء للواجب ، وقد عرفت أن نسبة ذلك إلى الفعلين على وجه واحد فكيف يحكم بأداء الواجب بخصوص الأوّل دون الثاني حتّى يثبت له ثوابه؟
نعم ، لو قيل بحصول الامتثال بالجميع مع ترتّب ثواب واحد على تلك الأفعال ، كما أنّه يقال بترتّب عقاب واحد على ترك الجميع أمكن القول بذلك لحصول الامتثال بما ثوابه أكثر ، فلابدّ من ترتّب تلك الزيادة عليه ، إلّا أنّك قد عرفت أنّ القول به بعيد.