الأكثر كان الوجوب قائما به بمقتضى الأمر ، وحينئذ فقيام الوجوب بالأقلّ غير معلوم إلّا بعد العلم بعدم التحاق الزائد به ، وأمّا بعد الإتيان بالقدر الزائد فإنّما يقوم الوجوب بالجميع، فحصول الامتثال بالأقلّ يكون مراعى بعدم الإتيان بالزيادة.
فما ذكر من عدم إمكان حمل الأمر المتعلّق بالزائد حينئذ على الوجوب لجواز ترك الزائد حينئذ لا إلى بدل مدفوع بما عرفت من أنّ الزيادة لا حكم لها مستقلّا ، ولم يتعلّق بها أمر ، بل إنّما تعلّق الحكم بمجموع الزائد ، ولا يجوز تركه لا إلى بدل وهو فعل الناقص ، وبذلك يتقوّى القول الأوّل.
فإن قلت : إنّ نسبة الوجوب إلى كلّ من الواجبات التخييريّة على نحو واحد ، وكما يحصل أداء الواجب بالأكثر يحصل بالأقلّ أيضا ، فأيّ ترجيح حينئذ للحكم بقيام الوجوب بالأكثر عند حصول الزيادة دون الأقلّ ، فمع حصوله قبله القاضي بأداء الواجب به فلا وجه لكون حصول الامتثال به مراعى بعدم التحاق الزيادة.
قلت : من البيّن أنّه إذا حكم الشارع بالتخيير بين الأقلّ والأكثر كان مفاد كلامه قيام الوجوب بكلّ من الأقلّ والأكثر على ما هو الشأن في الواجب التخييري ، لكن لمّا كان الأكثر مشتملا على الأقلّ كان قضيّة حكمه بقيام الوجوب بالأكثر مع اشتماله على الأقلّ كون الأقلّ المقابل له هو الأقلّ بشرط لا. فمفاد التخيير المذكور : أنّه لو أتى بالأقلّ وحده كان واجبا ، وإن أتى بالأكثر ـ أعني الأقلّ مع الزيادة ـ كان أيضا واجبا ، وحينئذ فالأقلّ المندرج في الأكثر ليس ممّا يقوم الوجوب به إلّا في ضمن الكلّ.
نعم ، لو كان مفاد التخيير بين الأقلّ والأكثر هو التخيير بين الأقلّ الملحوظ لا بشرط والأكثر صحّ ما ذكر ، لكن ذلك خلاف المفهوم من اللفظ عند حكم الشارع بالتخيير بينهما ، بل ليس المنساق منه إلّا ما ذكرناه ، وقضيّة ذلك كون الحكم بقيام الوجوب بالأقلّ مراعى بعدم التحاق الزيادة.
هذا إذا اورد التخيير المذكور في لسان الشرع ، وأما إذا كان التخيير عقليّا فلا يتمّ ذلك ، لظهور كون الأقلّ حينئذ مصداقا للواجب ، سواء ضمّ إليه الزائد أو لا.