وأمّا بالنسبة إلى تكليفه بتحصيل اليقين بتفريغ الذمّة بعد تيقّن الاشتغال ، ووجوب تحصيل الاطمئنان حينئذ بعدم الإقدام على ترك الواجب وفعل الحرام فلا ، إذ من البيّن عدم حصول الواجب المذكور ، واستحقاقه العقوبة إنّما هو من تلك الجهة ، لا من جهة ترك المقدّمة نفسها.
كيف؟ ومن البيّن أنّ تكرار الفعل في اشتباه القبلة والاجتناب عنهما في اشتباه الزوجة إنّما هو من قبيل مقدّمة العلم دون مقدّمة نفس الواجب ، وترتّب العقاب على ترك المقدّمة المفروضة ، إنّما هو من جهة عدم حصول الواجب الّذي هو العلم ، فكذا الحال في المقام ، وانكشاف التمكّن من أداء الواجب بعد ذلك غير قاض بانتفاء الإثم ، كما هو الحال في المثالين ، سواء قلنا بوجوب المقدّمة أو لم نقل به ، فترتّب العقاب على ترك المقدّمة في المقام إنّما هو من جهة أدائه إلى ترك الواجب المذكور والإقدام على التجرّي على ترك الواجب دون ترك نفس الفعل ، وذلك ظاهر.
ثالثها : أنّه لو ظهر كذب ظنّه فأتى بالفعل في الوقت المفروض فهل يكون مؤدّيا أو قاضيا؟ فيه خلاف ، والمعروف هو الأوّل ، بل الظاهر إطباق علمائنا عليه ، إذ لم ينقل منهم خلاف في ذلك ، والخلاف فيه محكيّ عن القاضي أبي بكر من العامّة ، فقد اختار كونه قاضيا ، والحقّ هو الأوّل ، والوجه فيه واضح ، نظرا إلى وقوعه في الوقت المقدّر له شرعا ، ووجوب التعجيل فيه عند ظنّ الفوات إنّما كان من جهة الاطمئنان بعدم تفويت الواجب حسب ما مرّ ، لا من جهة كون ذلك هو وقته الموظّف له.
وتوضيح ذلك : أنّ وقت الموسّع محدود واقعا بأحد الأمرين من الحدّ المعيّن من الوقت وما ينتهي إليه التمكّن من الفعل ، فيدور تحديده في الواقع بين الأمرين ، ويكون السابق منهما هو حدّه الّذي ينتهي الوجوب إليه ، وإنّما تعيّن عليه الفعل عند حصول الظنّ المفروض لظنّه كون الحدّ بالنسبة إليه هو الثاني ، فلمّا تبيّن الخلاف ظهر له كون الحدّ هو الأوّل فكان أداء هذا.