ذلك البعض عنوانا لكلّ من مصاديقه فيكون الوجوب متعلّقا بكلّ من مصاديقه على سبيل البدليّة ـ حسب ما قرّرناه ـ فهو عين القول بوجوبه على الكلّ بدلا ، كما عرفت. وإن أراد به وجوبه على أحدهم على سبيل الكلّي اللابشرط حسب ما يقال في متعلّق الوجوب في التخييري فيصدق ذلك مع كلّ من الآحاد فهو فاسد ، لما عرفت من إبهام اللابشرط في الخارج ، وإنّما يصحّ تعلّق الوجوب في التخييري من جهة تعلّقه به في الذمّة ، وهو متعيّن فيه ، كما يتعيّن الكلّي الطبيعي في الذهن ، وسيأتي توضيح القول فيه.
ثمّ إنّه مع البناء على ظاهر الاختلاف بين الأقوال المذكورة فلنذكر حجج القائلين بها ، فنقول : حجّة الأولين بعد اتّفاق الإماميّة عليه حسب ما يظهر منهم وجوه :
أحدها : أنّه لو وجب على البعض لما استحقّ الجميع للعقاب على تقدير تركهم له ، لوضوح أنّ استحقاقه العقاب يتبع تعلّق الوجوب به ، فإذا استحقّ كلّ منهم العقوبة بتركه دلّ على وجوبه حينئذ على كلّ بخصوصه ، إذ لو لا ذلك لكان استحقاقه العقوبة بترك ما وجب على غيره ، أو بترك الغير ما وجب عليه ، وهو غير معقول. وأمّا بطلان التالي فلقيام الإجماع على استحقاق الجميع حينئذ للعقوبة ، وقد حكاه جماعة ، منهم : العلّامة ، والسيّد العميدي ، وشيخنا البهائي ، والفاضل الجواد ، والحاجبي. وقد يورد عليه بوجوه :
الأوّل : أنّه لا ملازمة بين تأثيم الكلّ واستحقاقهم للعقوبة والوجوب على الكلّ ، إذ يمكن القول بوجوبه على مطلق البعض وتأثيم الكلّ عند ترك الكلّ ، ألا ترى أنّه يصحّ للمولى أن يقول لعبيده : «ليأت أحدكم بهذا الفعل في هذا اليوم البتّة ولو تركتموه أجمع لاعاقبنّكم جميعا على ترك مطلوبي» ويحكم العقلاء حينئذ بتأثيم الجميع واستحقاقهم للعقوبة مع إيجابه الفعل على أحدهم.
وفيه : أنّه إن اريد بوجوبه على مطلق البعض كون المكلّف هو البعض في الجملة من غير أن يتعلّق الوجوب بكلّ منهم فقضاء ذلك بتأثيم الجميع غير معقول ،