وإن أراد بذلك أنّ الحكم بالوجوب على البعض أوّلا قاض بوجوبه على الكلّ ثانيا عند التأمّل ، نظرا إلى كون البعض المطلوب عنوانا لكلّ من الأبعاض فيتفرّع عليه تأثيم الكلّ حسب ما مرّ بيانه ، ويساعده فهم العرف ، فهو متّجه وإن بعد عن كلامه ، إلّا أنّه عين القول بوجوبه على الكلّ ، فإنّهم لا يريدون به سوى ذلك عند التحقيق حسب ما فصّلنا القول فيه.
الثالث : أنّ ما يقتضيه الوجوب على البعض هو الحكم بتأثيم البعض دون الكلّ ، وما يرى من استحقاق الجميع للعقوبة إنّما هو لأجل ما يستلزمه ذلك التكليف الكفائي من الوجوب العيني المشروط المتعلّق بكلّ واحد منهم ، حسب ما مرّ الكلام فيه.
وفيه ما عرفت من بطلان القول بثبوت تكليفين في المقام ، مضافا إلى أنّ استحقاق كلّ منهم العقوبة من جهة الوجوب المتعلّق بأحدهما لا يقضي بمعقوليّة الوجوب الآخر مع عدم تحقّق استحقاق العقوبة من جهة مخالفته.
ثانيها : أنّه لو وجب على أحدهم ولا تعيّن له عندنا ضرورة : فإمّا أن يكون معيّنا بحسب الواقع ، أو يكون مبهما في الواقع أيضا. لا سبيل إلى شيء من الوجهين.
أمّا الأوّل فلوضوح عدم جواز استحقاق شخص للعقوبة من جهة ترك غيره ما وجب عليه ، بل قضيّة دوران التكليف في غير الكفائي بين شخصين عدم تعلّقه بشيء منهما ، وعدم استحقاق كلّ منهما للعقوبة بتركه ، كما في الجنابة الدائرة بين شخصين.
وأمّا الثاني فلكون الوجوب أمرا خارجيّا لا يمكن تعلّقه خارجا بالمبهم ، بل لابدّ له من متعلّق متعيّن في الخارج ليصحّ تعلّقه به. وقد يورد عليه بما سيجيء الإشارة إليه وإلى جوابه في حجّة القول الثاني.
ثالثها : أنّه يصحّ لكلّ منهم أن ينوي الوجوب بفعله إجماعا ، ولو كان واجبا على البعض لما صحّ ذلك ، لكون قصد الوجوب من غير من يجب عليه بدعة محرّمة.