حسب ما قرّرناه ، فلا فرق إذا بين التعبير بوجوبه على الطائفة تعيينا ووجوبه على الجميع بدلا ، نظير ما قرّرناه في المخيّر ، ولذا عبّر في كثير من الكفائيّات بذلك ، كما في قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(١) وقوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢).
الخامس : ما حكي عن بعض المحقّقين من : أنّه لو كان واجبا على الكلّ لكان إسقاطه عنهم بعد فعل البعض نسخا للوجوب ، لأنّه رفع له ، ولا نسخ اتّفاقا.
وردّ ذلك بمنع الملازمة ، إذ ليس كلّ رفع للطلب نسخا ، فقد يكون ذلك بسبب انتفاء علّة الوجوب ، كصلاة الجنازة فانّ المقصود بها احترام الميّت وقد حصل بفعل البعض ، فسقط عن الباقين لزوال علّة الوجوب.
والفائدة في إيجابه على الجميع كون المقصود حينئذ أقرب إلى الحصول ، فظهر بذلك أنّه ليس فعل البعض حينئذ قاضيا بالسقوط حقيقة ، بل استنادا إليه على وجه المجاز ، والسبب المسقط إنّما هو زوال علّة الوجوب.
وأنت خبير بأنّ الجواب المذكور إنّما يوافق القول بكون السقوط عن الباقين من جهة فوات الموضوع ، لا لأداء ما هو الواجب ، وقد عرفت وهنه.
فالحقّ في الجواب : أنّ ارتفاع التكليف في المقام إنّما هو لأدائه ، ومن الواضح أنّ ارتفاع التكليف بذلك لا يكون نسخا ، وأداء الواجب في المقام وإن لم يتحقّق بفعل الكلّ إلّا أنّ وجوبه على الكلّ إنّما كان على وجه يحصل أداؤه بفعل أيّ منهم ، حسب ما مرّ الكلام فيه.
ثمّ إنّه ذكر بعض الأفاضل هذا الوجه حجّة للقول الثالث ، قائلا : بأنّه لو تعيّن على كلّ واحد كان إسقاطه عن الباقين رفعا للطلب بعد تحقّقه فيكون نسخا ، فيفتقر إلى خطاب جديد ، ولا خطاب فلا نسخ ، فلا يسقط ، بخلاف ما إذا قلنا بوجوبه على المجموع فإنّه لا يستلزم الإيجاب على كلّ واحد ، ويكون التأثيم للجميع بالذات ، ولكلّ واحد بالعرض.
__________________
(١) آل عمران : ١٠٤.
(٢) النور : ٢.