هذا إذا كان عمومه أفراديّا. وأمّا إن كان بدليّا : فإن كان إيجابيا أفاد في المنطوق ترتّب حصول فرد منه على الشرط المذكور ، والاكتفاء فيه بأيّ فرد كان وأفاد في المفهوم السلب الكلّي ، إذ ثبوت الحكم على وجه العموم البدلي إيجاب جزئي ، فيكون رفعه في المفهوم بالسلب الكلّي. ومنه يعلم عدم الفرق بين كونه موضوعا للعموم البدلي كما في المثال المتقدّم ، وما يستفاد منه ذلك من جهة الإطلاق ، كما إذا قال : «إن جاءك زيد فأعطه شيئا» فإنّ مفهومه عدم وجوب إعطائه شيئا على سبيل السلب الكلّي على تقدير عدم المجيء ، وإن كان سلبيّا أفاد استغراق الآحاد في المنطوق ، فيكون مفاده في المفهوم رفع السلب الكلّي ، فهو في الحقيقة يندرج في القسم المتقدّم.
إذا عرفت ذلك فقد ظهر لك أنّ ما ذكره المحقّق المذكور قدسسره ـ انتصار للعلّامة ـ إنّما يتمّ لو كان مفاد الحديث المذكور من قبيل الصورة الخامسة ، ليكون مفاده رفع الإيجاب الكلّي الصادق بالسلب الجزئي حسب ما قرّر ، وليس الحال كذلك ، بل هو من قبيل الصورة الثالثة ، حيث إنّ العموم فيه إنّما اعتبر في الموضوع ، وقد عرفت اقتضاء ذلك عموم المفهوم على الوجه الّذي قرّرناه ، فما ذكره العلّامة من جواز الاقتسام إلى القسمين في جهة المفهوم كما ترى.
ومن غريب الكلام ما رأيته في تعليقات بعض الأعلام على كتاب مدارك الأحكام ، حيث حاول الاحتجاج بمفهوم قوله عليهالسلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» على تنجيس ما دون الكرّ بملاقاة كلّ واحد من النجاسات ، نظرا إلى عموم «شيء» المذكور في المنطوق ، فيسري العموم إلى المفهوم أيضا ، كما يفيد منطوقه عدم تنجّس الكرّ بشيء من النجاسات يفيد مفهومه تنجّسه بكلّ منها. ووجّه ذلك : بأنّه لما دلّ عدم تنجّسه بشيء من النجاسات على الكرّية كان ذلك بمنزلة تعليق عدم تنجّسه بكلّ واحدة واحدة منها على ذلك ، فينحلّ ذلك التعليق إلى تعليقات عديدة ، ويكون مفاد كلّ منها تنجّس الماء بها مع ارتفاع الشرط الّذي هو الكرّية.
وأنت خبير بالبون البيّن بين ما ذكره وما هو مفاد التعليق المذكور في الرواية ،