كان ظاهر إطلاق كلماتهم يعمّ الجميع إلّا أنّه لابدّ من التقييد ، إذ لا مجال لتوهّم جريان البحث في نحو ما ذكر من الأمثلة ولو مع الخلوّ عن القرائن.
والأظهر في بيان ذلك على ما يطابق كلامهم أن يقال : إنّ محلّ البحث ما إذا ورد التقييد في مقام لا يظهر هناك فائدة اخرى للتقييد سوى انتفاء الحكم ، وإن احتمل هناك فوائد اخرى. وأمّا مع ظهور فائدة كما في قولك : رأيت رجلا عالما ونحوه من الأمثلة المتقدّمة، حيث إنّه لا يؤدّي مفاد رؤيته للعالم إلّا بذكر القيد فلا مجال إذا لدلالته على انتفاء الحكم بانتفاء القيد ، فليس الدلالة في المقام إلّا من جهة كون الفائدة المذكورة أظهر الفوائد حينئذ في فهم العرف ، أو من جهة تعليق الحكم على الوصف المشعر بإناطة الحكم به حسب ما أشرنا إليه ، ففي ذلك أقوى دلالة على ما قلناه.
ثمّ إنّ هاهنا امورا ربّما يتوهّم منافاتها للخلاف المذكور في المقام ، وقضاؤها باعتبار هذا المفهوم من دون تأمّل منهم فيه ، لابدّ من الإشارة إليها وبيان الحال فيها :
أحدها : ما اشتهر في الألسنة من أنّ الأصل في القيد أن يكون احترازيّا ، ولا تزال تراهم يلاحظون ذلك في الحدود والتعريفات ، ويناقشون في ذكر قيد لا يكون مخرجا لشيء ، وكذا لا يعرف الخلاف بين الفقهاء في الأغلب إلّا من جهة التقييدات المذكورة في كلامهم وعدمها ، حيث إنّه يعرف اختلافهم في المسائل من جهة اختلافهم في القيود المأخوذة في فتاواهم ، أو اختلافهم في الإطلاق والتقييد ، وليس ذلك إلّا من جهة ظهور التقييد في كونه احترازيّا ، وإلّا لما أفاد ذلك أصلا.
وفيه أوّلا : أنّ ذلك أمر جرت عليه الطريقة في المقامات المذكورة ، فإنّ المتداول بينهم في الحدود والتعريفات هو ذلك ، وقد بنوا على ملاحظة الاحتراز في التقييدات ، وكذا الحال في بيان الأحكام المدوّنة في الكتب الفقهيّة ، بل وفي سائر العلوم المدوّنة أيضا ، فجريان طريقتهم على ذلك كاف في إفادته له في كلامهم ، وكان مقصودهم من الأصل المذكور هو ذلك ، نظرا إلى ما عرفت من