بنائهم عليه ، ولا يقضي ذلك بكونه الأصل في الاستعمالات العرفيّة والمحاورات الدائرة في ألسنة العامّة.
وثانيا : أنّ المراد بكون القيد احترازيّا : أن يكون مخرجا لما لا يندرج فيه عمّا يشمله من الإطلاق ، أو العموم الثابت لما انضمّ إليه ذلك القيد ، فأقصى ما يفيده ذلك هو الخروج عن مدلول تلك العبارة ، وما هو المراد منها في ذلك المقام لا عدم شمول ذلك الحكم له بحسب الواقع.
وبعبارة اخرى : أنّ ما يفيده اختصاص الحكم الواقع بتلك الصورة وخروج المخرج من شمول ذلك الحكم له ، لا تخصيص المحكوم به بذلك حتّى يفيد ثبوت خلافه للمخرج بحسب الواقع. فالقيد التوضيحي المتروك في الحدود غالبا هو ما لا يفيد اخراج شيء من الحدّ ، وإنّما ثمرته مجرّد الإيضاح والبيان ، فأقصى ما يفيده القيد الاحترازي في مقابلة التوضيحي هو ما ذكرناه ، وهذا ممّا لا مدخل له بدلالة المفهوم ، حيث إنّ المقصود دلالته على نفي الحكم عند انتفاء الوصف أو القيد بحسب الواقع ، لكن لمّا كان المعتبر في الحدود مساواة الحدّ للمحدود ومطابقة المحدود للحدّ بحسب الواقع كان اللازم من ذلك انتفاء صدق المحذور على فاقد القيد ، فلزوم الانتفاء واقعا مع انتفاء القيد إنّما هو من تلك الجهة ، لا من مجرّد كون القيد احترازيّا حتّى يفيد حجّية المفهوم ، حسب ما عرفت من عدم إفادته زيادة على ما بيّنّاه في مقابلة القيد التوضيحي ، واعتباره كذلك في بيان الأحكام وإن لم يكن مخلّا بالمرام إلّا أنّه لا يناسب مقام تدوين الأحكام ، سواء كانت شرعيّة أو غيرها من سائر العلوم المدوّنة ، إذ لا داعي هناك غالبا على الاختصاص إلّا من جهة عدم حكم ذلك الحاكم بما عداه (١). فاذا ملاحظة المقام في تدوين الأحكام قاضية بذلك دون مجرّد التقييد ، فظهر بما قررنا أنّ أصالة كون القيد احترازيّا لا تنافي القول بنفي المفهوم أصلا ، وأنّ دلالته على الانتفاء بالانتفاء في المقامين المذكورين إنّما هي من الجهة الّتي ذكرناها دون مجرّد الأصل المذكور.
__________________
(١) في (ق) : بما قالوه.