ومنها : أنّه ليس في لغة العرب لفظ واحد يفيد المتضادّين ويدلّ على حكمين مختلفين بالإيجاب والسلب.
ووهنه أوضح من جميع ما تقدّم عليه ، لوضوح وجوده في كلام العرب ، كما في مفهوم الحصر وغيره ممّا ثبت من المفاهيم ، ولو بنى على إنكار الجميع فأيّ مانع من ثبوته في المقام ونحوه بعد قيام الدليل عليه؟ وليس مشتملا على التضادّ الممتنع ، لوضوح اختلاف المتعلّقين.
قوله : (لعرى تعليقه عليها عن الفائدة ... الخ).
هذه الحجّة هي الحجّة المعروفة للنفاة ، وظاهرها يعطي أنّ القائل بثبوت المفهوم في المقام لا يقول به من جهة الوضع ، وإنّما يقول به من جهة العقل ، وعدم خلوّ التقييد عن الفائدة ، إذ لو لم يستقلّ في مقام انتفاء الحكم بانتفاء الوصف كان التقييد لغوا ، ولابدّ للعاقل من التحرّز عنه ، كتكرار كلام واحد مرّات عديدة زائدا على ما يطلب من التأكيد فإنّه لغو يجب الاجتناب عنه ، إلّا أنّه لو أتى به لم يكن استعماله مجازا ، وحيث إنّه جرى البناء في المخاطبات على عدم حمل كلام العقلاء على اللغو مهما أمكن كان ذلك شاهدا على إرادته انتفاء الحكم بانتفاء الوصف ، ولا فرق في ذلك بين كلام الحكيم وغيره من العقلاء. نعم ، يزيد الدلالة وضوحا لو كان المتكلّم حكيما ، ويختلف الحال فيها بحسب اختلافه في مراتب الحكمة.
ويمكن تقرير الدليل المذكور على وجه يفيد الوضع بأن يقال : إنّ التوصيف لو لم يرد به إفادة ذلك كان لغوا ، فينزّه الواضع عن وضعه كذلك ، فلابدّ أن يكون موضوعا للدلالة على أمر مفيد ، وليس ذلك إلّا ما ذكر من انتفاء الحكم بانتفائه.
وأنت خبير بوهن هذا التقرير ، فإنّ التوصيف إنّما قرّر بالوضع النوعي لإفادة اتّصاف موصوفه بالوصف المذكور ، تقول : «رأيت زيد العالم» أو «زيد العالم جاءني» أو «رأيت رجلا عالما» ونحو ذلك ، وذلك فائدة معتدّ بها ملحوظة للواضع ، كافية في وضعه النوعي ، وحينئذ فلابدّ للمستعمل من ملاحظة الفائدة