المنسلخة عن الزمان ، فلا مانع من أن يكون فعل الأمر أيضا من ذلك ، حسبما يشهد به فهم العرف على ما قرّره ، إذ ليس المتبادر منه إلّا طلب الفعل مطلقا من غير دلالة على زمان إيقاع المطلوب ، كمكانه وآلته.
وفيه : أنّهم لم يعدّوا فعل الأمر والنهي من الأفعال المنسلخة عن الزمان ، ولو قيل بعدم دلالتهما على الزمان لكان اشتهارهما بالانسلاخ أولى من سائر الأفعال المنسلخة ، بل نصّوا على خلافه وجعلوا مدلوليهما خصوص الحال.
وربما حكي عليه إجماع أهل العربيّة ، ففي ذلك منافاة اخرى ، لما ذكر في الاحتجاج من عدم دلالته على الزمان حيث إنّه مناف لما ذكر من إجماع أهل العربيّة على دلالته على خصوص زمان الحال ، بل نقول : إنّ قضيّة ما ذكروه دلالته على خصوص الفور وقيام إجماعهم على ذلك ، حيث إنّهم خصّوه بالحال دون الاستقبال.
فيقوم من هنا إشكال آخر وهو أنّ اتفاق أهل العربيّة على دلالته على الحال كيف يجامع هذا الخلاف المعروف بين أهل الأصول؟ وسيظهر لك الجواب عن جميع ذلك بما سنذكره من تحقيق المقام إن شاء الله تعالى.
ثانيها : أنّ المقصود ممّا ذكر في الاحتجاج عدم دلالة الأمر على خصوص الحال والاستقبال ، وذلك لا ينافي دلالته على القدر الجامع بينهما ، فيفيد طلب إيقاع الفعل في أحد الزمانين ، ومعه يحصل دلالته على الزمان ليتمّ به مدلول الفعل ولا يفيد خصوص شيء من الفور والتراخي ، كما هو المدّعى.
وفيه مع منافاته لكلام أهل العربيّة من دلالته على خصوص الحال أنّه لا يوافق ما أخذ في حدّ الفعل من دلالته على أحد الأزمنة الثلاثة ؛ مضافا إلى ما فيه من توهّم كون الفور والتراخي بمعنى الحال والاستقبال ، وهو فاسد.
ثالثها : أنّ القول بنفي دلالة الأمر على خصوص الفور أو التراخي لا ينافي دلالته على الزمان أصلا ، وما ذكره المصنّف من عدم دلالته على الزمان إنّما أراد به عدم دلالته على خصوص الفور أو التراخي ، كما هو المدّعى لا مطلق الزمان ،