فتسامح في التعبير ، ولو حمل على ظاهره فكأنّه اختار الجواب الأوّل ، لزعمه المنافاة بين كون الأمر لطلب الطبيعة ودلالته على أحد الأزمنة ، والتحقيق خلافه ، وذلك لا ربط له بأصل المدّعى.
وكيف كان فنقول : إنّ مفاد الأمر إنّما هو الاستقبال ، فإنّ الشيء إنّما يطلب في المستقبل ، ضرورة عدم إمكان طلبه حال أداء الصيغة.
وتوضيح المقام : أنّ الحال يطلق على أمرين :
أحدهما : الحال الحقيقي : وهو الفصل المشترك بين الماضي والمستقبل ولا يمكن ايجاد الفعل فيه ، فإنّه تدريجي الحصول لا يمكن انطباقه على الآن ، وليس هو من أحد الأزمنة الثلاثة المذكورة في حدّ الأفعال ، إذ ليس الحدّ المشترك المذكور زمانا وإنّما هو فصل بين الزمانين كالنقطة الفاصلة بين الخطّين.
وثانيهما : الحال العرفي : وهو أواخر زمان الماضي وأوائل المستقبل المشتمل على الحال الحقيقي ، إذ لو خلا عنه لتمحّض للماضي أو المستقبل وهو الحال المعدود من أحد الأزمنة، ألا ترى أنّ قولك : «زيد يضرب» إذا اريد به الحال إنّما يراد به الزمان المذكور الملفّق من الامور المذكورة ، وأمّا لو اريد به أوائل زمان المستقبل بعد زمان إيقاع الصيغة لم يعدّ حالا ولا ملفّقا من الحال والاستقبال ، بل كان استقبالا خالصا ، كما لا يخفى بعد ملاحظة الاستعمالات العرفيّة ، فلابدّ في صدق الحال العرفي من الاشتمال على الحال الحقيقي.
إذا تقرّر ذلك فنقول : إنّه لا يمكن أن يراد من الأمر إيقاع المطلوب في الحال المذكور وإلّا لزم تحصيل الحاصل ، بل أقصى ما يمكن أن يراد به ثاني زمان الصيغة وما تأخّر عنها وهو استقبال خالص كما عرفت ، فإن اريد به الفور كان المراد أوائل الاستقبال ، وإن اريد به التراخي كان قاضيا بجواز التأخير إلى ما بعده من الأزمنة ، فعدم دلالة الأمر على خصوص الفور والتراخي لا ينافي دلالته على الزمان.
فمدلول الصيغة هو طلب إيجاد الفعل فيما بعد الطلب المذكور من غير دلالته