ومنها : أنّه الأكثر في الاستعمالات الواقعة في كلمات العرب ولو مع القرينة ، كما نصّ عليه نجم الأئمّة وابن هشام وغيرهما ، فيجب الحمل عليه عند التردّد ، إذ الظنّ يلحق المشكوك فيه بالأعمّ الأغلب.
وفيه : أنّ كثرة الاستعمال مع القرينة لا يدلّ على الحقيقة ما لم يتبادر المعنى من نفس اللفظ ، ألا ترى أنّ الاستعمالات المجازيّة في كلام العرب أكثر من الحقائق ، حتّى قيل : إنّ أكثر اللغات مجازات ؛ وذلك لأنّ المجازات أبلغ من الحقائق ، والعرب إنّما تقصد المعاني البليغة في تعبيراتهم.
ويرد عليه :
أوّلا : أنّ المقصود من الاحتجاج بكثرة الاستعمال تشخيص المراد من اللفظ ، ولا ريب في حصول الظنّ به من ذلك ، سواء كان ذلك مستندا إلى الوضع أو غيره ، وإنّما المقصود من إثبات الوضع أيضا تشخيص المراد.
نعم ، إن ثبت كونه مجازا في ذلك كان الأصل عدمه ، وأمّا مع خروج الخصوصيّة عن الوضع وغلبة وقوع الاستعمال في المقام المخصوص فيحصل الظنّ بإرادته ، ولا يلزم التجوّز.
وثانيا : أنّ الغالب وإن كان هو الاستعمال المجازي المبنيّ على ملاحظة العلاقة لكنّ ذلك حيث يتعيّن المعنى الحقيقي ، أمّا مع الشكّ فيه والعلم بغلبة الاستعمال في المعنى المخصوص وندرة وقوعه في غيره فيمكن الاستناد إليه في كونه حقيقة في ذلك ، إذ الظاهر عدم ملاحظة العلاقة في تلك الاستعمالات الشائعة وعدم ابتنائها على القرينة ، فتأمّل.
وأنت خبير بأنّ الوجه المذكور إن تمّ فلا يدلّ أيضا على وضع الأداة لخصوص المعنى المذكور حتّى يكون مجازا في غيره ، فيمكن وضعه لما يعمّ الأمرين ، فلا تغفل.
ومنها : أنّ الغاية إنّما تطلق على نهاية الشيء وهي الّتي ينتهي ذلك الشيء إليها ، فتكون خارجة عن المغيّا ، فكذا كلّ ما يدلّ عليها ، حتّى قال الباغنوي :