والثاني : اعتباره مطلقا مع قطع النظر عن تخصيصه بتلك الغاية ، وهو بهذا الاعتبار ممّا يمكن بقاؤه وزواله ، فالتقييد بها على القول بالمفهوم يدلّ على زواله وانتفائه فيما بعدها ، وهو المراد من إثبات المخالفة لتحقّقها بذلك. ولو فرض ثبوت حكم آخر بعدها من جنس ذلك الحكم لم يكن ذلك منافيا للقول بالمفهوم ، كما في قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)(١). فمفاده انتفاء ذلك الحكم بعد الطهر ، فلو ثبت مثله من جهة الإحرام أو الظهار أو الإيلاء أو الرضاع أو المصاهرة أو غيرها من أسباب التحريم لم يكن ذلك منافيا لانتفاء الحكم المذكور ، وعلى القول الآخر لا يدلّ على ذلك أيضا بنفي ولا إثبات ، ومثله الحال في الشروط والأوصاف فمفهومها انتفاء ذلك الحكم في غير مواردها ، وإن ثبت فيها ما يماثلها بقيام أسباب اخر مقامها إلّا أنّ ذلك مدفوع بالأصل.
والثالث : اعتباره من حيث نوعه أو جنسه ، ولا دلالة في شيء من المفاهيم على نفيه بهذا الاعتبار بمعنى الحكم بانتفاء مجانسه أو مماثله إلّا حيث يكون هناك شيء يدلّ على انحصار السبب أو الحكم في المذكور ، وذلك لأنّ القيد المذكور في الكلام لا تعلّق له بغير الحكم المذكور فيه ، ومجرّد المجانسة لا يقضي باندراج الحكم الآخر فيه حتّى يقضي التقييد بانتفائه.
فإن قلت : إنّ الحكم الأوّل إذا ثبت فيما بعد الغاية فإنّما يثبت بخطاب آخر ، ولا ريب أنّ الثابت به غير الثابت بالأوّل ، وإنّما يماثله فيرجع إلى الاعتبار الثالث.
قلت : إنّ المماثلة هناك إنّما هي في طريق الثبوت والإثبات ، وأمّا الثابت فقد يكون عين الأوّل ، وقد يكون غيره ثمّ المماثلة والاتّحاد ، وقد يكونان بحسب الحقيقة ، وقد يثبتان بحسب فهم العرف ، والمدار في المقام عليه لبناء الأمر في مطلق الدلالة اللفظيّة على ذلك.
فنقول : إنّ المغيّا بالغاية المفروضة قد يكون نفيا للشيء ، وقد يكون إثباتا له.
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢.