كما في قولك : «صم إلى الليل» فإنّ الصوم عبادة مركّبة من أجزائه لا يتحقّق إلّا باجتماعها.
والآخر : أن يكون كلّ جزء من أجزائه مطلوبا إلى أن ينتهي إلى غايته من غير أن يكون لاجتماع الأجزاء مدخليّة في مطلوبيّته. وينبغي أن يكون القسم الأوّل خارجا عن محلّ الكلام ، إذ الدلالة فيه ثابتة على القولين ، إذ مع فرض استمرار المطلوب إلى ما بعد الغاية يكون الطلب المفروض متعلّقا بجزء المأمور به ، ولا شكّ في خروجه عن الظاهر ، وإن لم نقل بمفهوم الغاية لظهور الأمر في الوجوب النفسي. ومن المعلوم أنّ الجزء ليس مطلوبا بنفسه ، وإنّما هو مقدّمة لحصول المطلوب ، فاستعمال الأمر في طلبه خروج عن الظاهر ، أو مجاز لا يصار إليه إلّا بقرينة ، فظهر أنّ ما اشتهر بينهم من تمثيل محلّ المسألة بالمثال المذكور ليس على ما ينبغي. وأيضا فقد يقال : الليل اسم لمجموع ما بين الغروب والطلوع ، وقد وقع فيه غاية للصوم مع عدم كونه بمجموعه غاية للنهار أو الصوم ، وإلّا كان ما بعد الغاية هو اليوم الثاني ، وليس بمراد. وإنّما الغاية الجزء الأوّل منه ، إلّا إذا قلنا باشتراكها بين الجزء والكلّ فيصدق على الجزء ، وهو الظاهر ، فلا غبار عليه من تلك الجهة.
قوله : (وفاقا لأكثر المحقّقين).
هذا القول هو المعروف بين أصحابنا والعامّة ، ذهب إليه المحقّق في المعارج ، والعلّامة في موضعين من النهاية ، وموضع من التهذيب ، والسيّد عميد الدين في المنية ، وشيخنا البهائي في الزبدة ، وشارحه الجواد ، والمازندراني ، والمحقّق البهبهاني ، وصاحب القوانين ، وغيرهم ، وجنح إليه في الذكرى ؛ لأنّه أرجعه إلى مفهوم الوصف. وعزاه الآمدي إلى أكثر الفقهاء وجماعة من المتكلّمين ، كالقاضي أبي بكر ، والقاضي عبد الجبّار ، وأبي الحسين البصري ، وغيرهم وفي الزبدة إلى الأكثر. وفي غاية المأمول إلى أكثر أصحابنا والعامّة. ونسبه جماعة من أصحابنا والعامّة إلى كلّ من قال بمفهوم الشرط ، وبعض من لم يقل به مصرّحين بأنّه أقوى منه ، فيكون أقوى من مفهوم الوصف إن قلنا به بطريق أولى.