وأنت إذا أحطت خبرا بما قدّمناه في محلّ النزاع تعلم رجوع هذا التفصيل إلى النفي المطلق ، إذ لا يتصوّر القول بكون الصوم المطلوب بذلك الخطاب مستمرّا بعد الليل وهو ظاهر.
ويظهر من بعضهم التوقّف في المسألة ، فيرجع فيما بعد الغاية إلى مقتضى الأصل العملي ، سواء وافق القول بالمخالفة أو خالفه ، فيكون ذلك هو رابع الأقوال ، والله سبحانه هو العالم بحقيقة الحال.
قوله : (لنا إنّ قول القائل).
هذه هي الحجّة المعروفة في كلام المثبتين ويأتي مثلها في البداية ، فيقال : إنّ قول القائل : «صم من الفجر» معناه أوّل وجوب الصوم هو الفجر ، فلو ثبت له وجوب قبل الفجر لم يكن الفجر أوّلا ، وهو خلاف المنطوق. ومحصّله : أنّه لا شبهة في كون «من» لابتداء الغاية و «إلى» لانتهائها ، من غير خلاف بين علماء العربيّة في ذلك ، وإن ذكروا لهما معان اخر أيضا إلّا أنّ سائر المعاني خارجة عن محلّ الكلام ، ولا معنى للابتداء والانتهاء إلّا ما ذكرناه من معنى الأوّل والآخر ، ولو لا إرادة المفهوم لم يكن لهما معنى ، فالدلالة على ذلك إذا التزاميّة باللزوم البيّن ، إذ لا يمكن تصوّر الصوم المقيّد بكون أوّله الفجر وآخره الليل عن عدمه فيما قبل النهار وبعد الليل.
وأورد عليه بوجوه :
الأوّل : أنّ ثبوت الوجوب في أحد الطرفين لو استلزم مخالفة المنطوق لزم أن يكون الكلام مع التصريح بعد إرادة المفهوم من باب المجاز البتّة ، لعدم استعماله إذا في المعنى الموضوع له ، ولم يقل به أحد ، والتجوّز حينئذ في استعمال الأداة في غير ما يفيد المعنى المذكور ، إذ لا يمكن استعمالها فيه حينئذ إلّا مع إرادة حصر الوجوب فيما بين الحدّين.
وقد يجاب تارة بالمنع من كون استعمال الحرفين المذكورين في غير ما يفيد المعنى المذكور مجازا ، فإنّهم ذكروا لهما معاني عديدة ولم يميّزوا الحقائق منها من