واعلم : أنّ الدليل المذكور كما يدلّ على مخالفة ما بعد الغاية لما قبلها كذا يدلّ على مخالفتها بنفسها لما قبلها على القول بخروجها عن المغيّا بها ، لدلالتها إذن على انقطاع الحكم عندها ، فيكون الحال فيها كما هو الحال فيما بعدها ، فيقال : إنّ أداة الغاية موضوعة لانقطاع الحكم عند مدخولها فلو استمرّ إليها لم ينقطع عندها ، ويؤيّده بعد التعرّض لحكم الطرفين والسكوت عن حكم ما بينهما ، وكذا الحال في البداية.
وهناك وجوه اخر قد يستدلّ بها في المقام :
الأوّل : أنّ التقييد بالغاية لو لم يدلّ على مخالفة ما بعدها لما قبلها كان ما بعدها مسكوتا عنه ، للقطع بعدم الدلالة على مساواتهما في الحكم ، فيلزم حسن استفهام المخاطب عن حكمه والسؤال عن استمرار الحكم الأوّل فيه وانقطاعه عنه ، لوضوح حسن الاستفهام عمّا لا شاهد عليه في الكلام والسؤال عن حكم المجهول في كلّ مقام. ومن المعلوم في العرف والعادة أنّ من أخبر بجلوس زيد إلى الظهر مثلا ، أو حكم بشيء من الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة إلى الوقت المعيّن والغاية المعيّنة لم يحسن استفهام المخاطب عنه ، وسؤاله أنّه هل جلس إلى العصر أم لا؟ وهل يستمرّ ذلك الحكم فيما بعد الغاية أو ينتفي عندها؟ بل يستقبح بعد سماع التقييد المذكور المسألة عن نحو ذلك فإنّه يعدّ في المحاورات جهلا بمدلول الكلام ، أو لغوا في ذلك المقام ، أو طلبا للتصريح بالمرام ، وإلّا كان مستهجنا في العرف دليلا على غباوة السامع ، ولو لا ثبوت المفهوم المذكور لم يكن الأمر كذلك.
وقد يورد عليه : بأنّ قبح الاستفهام لا يتوقّف على دلالة الكلام ، إذ قد يحصل مع سكوت المتكلّم عن بيان الحكم أيضا ، كما هو الحال فيما قبل البداية ، ودعوى استناده حينئذ إلى مفهوم البداية مدفوعة بفرض المسألة قبل صدور الخطاب ، فإنّ المفهوم المذكور إنّما يتصوّر بعد صدوره وقبل حصول مبدأ الحكم ، أمّا قبل الخطاب فلا يتصوّر هناك مفهوم حتّى يعقل استناده إليه ، إنّما يحسن السؤال في مظانّ ثبوت الحكم.