بلا طائل ، فكان الأولى التمسّك بالأصل المذكور من أوّل الأمر ، وحينئذ فإن أراد الأصل المذكور في الوجه الأوّل فمن البيّن أنّه لا يعارض الدليل ، وإلّا فمجرّد أصالة انتفاء الجهة المفيدة لإثبات المفهوم المذكور إنّما يقضي بالتوقّف دون الجزم بنفي الدلالة الموجب للقول بوضع الأداة للقدر المشترك ، إذ مع الاختلاف في تعيين المعنى الموضوع له لا يمكن التمسّك فيه بالأصل ، فمقتضى ذلك هو اختيار القول بالوقف ، على أنّ تعريف بقاء ما كان بعد الغاية على ما كان قبل الخطاب أمر زائد على القدر المشترك لا يشهد به أصل ولا دليل ، وتوهّم الاستصحاب في مثله وهم فاسد ، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
ومنها : أنّه لا مانع من ورود الخطاب فيما بعد الغاية بمثل الحكم السابق على الغاية ، وقد تكثّر نقل الإجماع عليه في كلامهم ، وعند ذلك إمّا أن يكون تقييد الحكم بالغاية نافيا للحكم فيما بعدها ، أو لا ، والأوّل يلزم منه إثبات الحكم مع تحقّق ما ينفيه ، وهو خلاف الأصل. والثاني هو المطلوب ، وهو رجوع إلى التمسّك بالأصل ، إذ لا يزيد التقرير المذكور على ذلك كسابقه فهما معا تطويل من غير طائل ، على أنّ الخطاب الثاني يكون قرينة على إرادة خلاف الظاهر من الأوّل ، أو ناسخا له فلا ينافي المقصود.
ثمّ إنّ الغالب في الاستعمالات الواقعة قيام الدليل على إرادة المفهوم من نفس اللفظ ، لا على مجرّد مخالفة ما بعد الغاية لما قبلها في الحكم حتّى يقال بعدم منافاته للقدر المشترك ، فيلزم القول بمقتضى الدليل المذكور مع تحقّق ما ينفي من نفس اللفظ ، نظرا إلى أصالة الحقيقة ، وهو لشيوعه أولى بالاستناد ممّا ذكره لندرة وقوعه ، وأيضا فقد يقال : إنّ فرض ورود الخطاب بمثل الحكم السابق خارج عن محلّ المسألة ، لكن قد عرفت ما فيه.
ومنها : أنّه لو دلّ على ذلك لكان في آية الإسراء دلالة على نفي المعراج إلى السماء، ولكان قولك : «سرت من الكوفة إلى البصرة ومنها إلى الشام» مشتملا على التناقض ، ومن المعلوم أنّ شيئا من هذين الكلامين لا يدلّ على ما ذكر ،