أنّ الغاية إن انفصل عن ذي الغاية بمفصل محسوس كأتمّوا الصيام إلى الليل وجب أن يكون حكم ما بعدها بخلاف ما قبلها ، للعلم حسّا بانفصال أحدهما عن الآخر. وإن لم يكن كذلك مثل (إِلَى الْمَرافِقِ) لم يجب فيه المخالفة ، فإنّه لمّا كان المرفق غير منفصل عن اليد بمفصل محسوس لم يكن تعيين بعض المواضع في البدن أولى من بعض.
فها هنا يجوز أن يكون ما بعدها داخلا فيما قبلها ، وهو كما ترى.
قوله : (إنّه أقوى دلالة من التعليق بالشرط).
قد صرّح بذلك جماعة ، ويشهد به مضافا إلى الفهم العرفي أمران :
أحدهما : ما ذكره من أنّ كلّ من قال بمفهوم الشرط قال بثبوته ، وقد قال به بعض من أنكره أيضا ، كما صرّح بذلك جماعة من الخاصّة والعامّة.
والآخر : أنّ استعمال أداة الغاية في غير ما يفيد انتهاء المغيّا إليها أو انقطاعه عندها نادر بخلاف أداة الشرط ، لكثرة استعمالها في غير ما يفيد معنى الشرطيّة ، كالشروط المسوقة لبيان الموضوع فإنّها شائعة في الاستعمالات جدّا ، والواردة في مورد الغالب وغيرها ، وحيث إنّ مفهوم الشرط أقوى من الوصف والعدد عند القائل بهما ـ إذ الدلالة في الأوّل وضعيّة دون الأخيرين كما عرفت ـ كان مفهوم الغاية أقوى منهما أيضا بطريق أولى. وتظهر الفائدة في صورة المعارضة ، كتعارض مفهومي الغاية والشرط في قوله سبحانه : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ ...) الآية (١) ، فيقدّم الأوّل مع انحصار الدليل وفقد المرجّح الخارجي.
وأمّا القول بالوقف فمرجعه بحسب العمل إلى نفي المفهوم ، للزوم الرجوع إلى الأصل العملي مع الشكّ في الدلالة كالجزم بنفيها.
وأمّا القول الرابع بالتفصيل فقد علّله القائل به : بأنّ قول القائل : «صم إلى الليل» إنّما يقتضي لغة وعرفا تعلّق طلبه بالصوم المغيّا بالليل ، وظاهر هذا لا ينافي
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢.