واحتجّ البصري باتّفاقهم على أنّ الغاية ليست كلاما مستقلّا فلا بدّ فيه من إضمار لضرورة تتميم الكلام ، والإضمار بمنزلة الملفوظ ، فإنّه إنّما يضمر لسبقه إلى فهم العارف باللسان ، كتقدير مثل : «فاقربوهنّ» بعد قوله : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) إلى (يَطْهُرْنَ) أو «فيحلّ» بعد قوله تعالى : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ).
وضعفه ظاهر ، إذ لا داعي إلى الإضمار المخالف للأصل ، وليس الحال في الغاية إلّا ما هو الحال في سائر القيود الواقعة في الكلام الدالّ منها على المفهوم ، كالشرط والحصر وغيره ، ولا يلزم في شيء منها إضمار.
وقد يقال : إنّ دلالة لفظ «الأوّل» و «الآخر» و «الابتداء» و «الانتهاء» على الانتفاء من قبل ومن بعد من المنطوق ، فكذا ما وضع بإزائها من الحروف ، ومقتضى ذلك إدراج اللوازم البيّنة بالمعنى الأخصّ في دلالة المنطوق. وقد عرفت في حدّ المنطوق والمفهوم أنّ ذلك خروج عن الاصطلاح ، وإنّما يندرج فيه ما كان مدلوله الانتفاء كلفظ «الزوال» و «الانقطاع» ونحوهما ، لدخول النفي الحاصل في الجزء الأوّل من زمانه في مدلولهما المطابقي كلفظ «الانتفاء» ، بخلاف ما إذا كان النفي لازما للمدلول المذكور وإن كان بيّنا.
نعم ، قد عرفت في مفهوم الشرط وجه الفرق بين قولك : «الطهارة شرط في الصلاة» أو «يشترط بها» وقولك : «إن كنت متطهّرا فصلّ» أو «يصحّ بشرط الطهارة» و «يجب بشرط البلوغ». وأنّ دلالة الأوّل على انتفاء الصلاة بانتفاء الطهارة مندرجة في المنطوق ، والثاني في المفهوم ، فكذا في المقام ينبغي التفرقة بين قولك : «أوّل الصوم أو ابتداؤه الفجر وآخره أو منتهاه الليل» وقولك : «صم مبتدأ بالفجر منتهيا إلى الليل». ويظهر من بعض المحقّقين أنّ مناط الفرق بين المثالين المذكورين في محلّ المسألتين التصريح بالشرط والغاية وعدمه ، وليس كذلك كما يظهر من المثال الّذي ذكرناه ، وإلّا فلا فرق في المنطوق بين النصّ والظاهر ومدلول الاسم والحرف ، فتأمّل.
الثاني : أنّ لفظة «إلى» قد تستعمل في لغة العرب بمعنى «مع» كما في قوله