أئمّة اللغة والنحو والتفسير والاصول ، ولم ينقل عن أحد من القائلين بدليل الخطاب والمنكرين له إنكارها سوى الحنفيّة ، وكفى به دليلا على ذلك. فقد تكرّر في كلماتهم إسناد القول بها إلى واضعي اللغة وأهل العربيّة مؤذنين بالاتّفاق عليه ، بل صرّح غير واحد منهم بإجماعهم عليه. ويدلّ عليه مع ذلك القطع بتبادر المعنى المذكور منه ، حتّى قال التفتازاني : إنّ إنكار دلالة «ما قام إلّا زيد» على ثبوت القيام لزيد يكاد يلحق بإنكار الضروريّات ، والقطع بعدم جواز تشريك المستثنى مع المستثنى منه في الحكم لتناقض الكلامين ، كقولك : جاء القوم إلّا زيدا ، وزيد ، والقطع باكتفاء الشارع والمتشرّعة في الحكم بالإسلام بكلمة التوحيد ، وقد تكثّر في كلامهم نقل الإجماع عليه ، ولو لا ما ذكرناه لم يكن فيها دلالة على إثبات الإله الحقّ جلّ ذكره. وعن كتب الحنفيّة إنكار الدلالة المذكورة في النفي والإثبات جميعا ، قائلين : إنّ معناه إخراج المستثنى والحكم على الباقي من غير حكم عليه بشيء من النفي والإثبات فقول القائل : «ليس له عليّ إلّا سبعة» ليس إقرارا بالسبعة ، وقوله : «له عليّ عشرة إلّا ثلاثة» سكوت عن الثلاثة.
وعن الشافعيّة دعوى الوفاق على أنّه من الإثبات نفي ، وأنّ الخلاف إنّما هو في العكس. قال العضدي : الاستثناء من الإثبات نفي اتّفاقا وبالعكس إثبات خلافا لأبي حنيفة ، ثمّ قال : إنّهم لا يفرّقون بينهما من جهة الدلالة الوضعيّة ، ولا يرون شيئا منهما يدلّ على المخالفة فيما يفيده من النسبة الخارجيّة ، بل في النسبة النفسيّة. فإن كان ذلك مدلول الجملة فالمخالفة فيها عدم الحكم النفسي وهم يقولون به فيهما ، وإن كان مدلوله الخارجيّة فالاستثناء إعلام بعدم التعرّض له ، والسكوت عنه من غير حكم بالمخالفة فيهما ، إلّا أنّ السكوت عن إثبات الحكم يستلزم نفيه بالبراءة الأصليّة ، بخلاف النفي ، إذ لا مقتضى معه للإثبات. وكأنّه حاول بذلك الجمع بين النقلين المختلفين عن أبي حنيفة ، وكيف كان ففساده معلوم من اللغة والعرف.
نعم ، إن كان المستثنى منه الاعتقاد النفساني أو النسبة اللفظيّة كقولك :