قوله : (إنّ الذمّ باعتبار ... الخ).
يمكن الجواب عنه أيضا بمنع دلالة الاستفهام المذكور على الذمّ فإنّه إنّما يتمّ لو كان للتوبيخ والإنكار ولا يتعيّن الوجه فيه في ذلك ، لجواز حمله على إرادة التقرير ، حيث إنّه وقع الترك منه على جهة الاستكبار والإنكار ، فأراد سبحانه بالاستفهام المذكور تقريره به عليه واعترافه به ليقوم عليه الحجّة في الطرد والإبعاد ، فلا دلالة فيها على حصول الذمّ أصلا حتّى يكون ذلك على ترك الفور ، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك.
قوله : (والدليل على التقييد ... الخ).
كأنّ الوجه فيه أنّ «إذا» للتوقيت ، فتفيد أنّ الجزاء لابدّ من حصوله في ذلك الوقت أو أنّ «الفاء» يفيد التعقيب بلا مهلة ، فيدلّ على ترتّب الجزاء على الشرط من غير فصل.
ويشكل الأوّل أنّه لا دليل على كون «إذا» للتوقيت ، بل لا بعد في حملها على الشرطيّة ، بل ربما يكون الحمل عليها أظهر. وحينئذ فيكون «الفاء» في قوله تعالى : (فَقَعُوا لَهُ) (١) جزائيّة ، ولا دلالة فيها على التعقيب بلا مهلة ، فإنّ ذلك مفاد الفاء العاطفة ، فظهر بذلك فساد الوجه الثاني.
وقد يحتجّ على النحو المذكور بغير هذه الآية ممّا دلّ على ترتّب الذمّ أو العقوبة على مخالفة الأوامر المطلقة ، كآية التحذير ، وقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ)(٢) إذ لو لا أنّ الأمر للفور لما صحّ ترتّب الذمّ على مخالفة الأمر المطلق ، لعدم استحقاق الذمّ حينئذ إلّا عند الوفاة.
وفيه : أنّ تأخير الفعل إلى حدّ التهاون ، سيّما مع العزم على ترك الفعل رأسا يصحّح ترتّب الذمّ عليه وإن كان فعله أخيرا يبرئ الذمّة.
وقد عرفت أنّ ذلك ممّا لا ربط له بالقول بالفور.
__________________
(١) الحجر : ٢٩.
(٢) المرسلات : ٤٨.