كان فهم ذلك من الصيغة متوقّفا على ملاحظتها في المقام ، وليس كذلك ، فإنّ ذلك يفهم منها وإن قطع النظر عن القرينة المفروضة ولذا يتبادر الفور من سائر الأوامر الواردة في الاستعمالات العرفيّة ، فلو أخّر المكلّف أداءها ذمّه العقلاء على فرض وجوب طاعة الأمر وعاتبوه على التأخير ، ولذا لا يفهم من شيء من الأوامر الواردة في العرف إرادة طلب مطلق الفعل ولو في مدّة عمر المأمور.
وقد قرّر بعضهم الاحتجاج بحكم العرف بعصيان العبد مع ترك المبادرة إلى امتثال أوامر المولى. نعم لا يبعد القول بتفاوت الأفعال في ذلك فيكون ذلك شاهدا على القول بالفور ببعض الوجوه المذكورة.
ويمكن دفعه بالمنع من تبادر الفور من خطابات المولى للعبد ، وإنّما ينصرف الأمر فيها على حسب ما يقوم القرينة عليه في المقام ، فالأمر بسقي الماء ينصرف إلى التعجيل ، نظرا إلى قضاء العادة به ، والأمر بشراء اللحم ينصرف إلى شرائه في وقت يمكن طبخه للوقت المعهود ، وكذا الحال في غيرهما من المطالب ؛ فيختلف الحال فيها بحسب اختلاف الحاجات ، وليس ذلك من دلالة اللفظ في شيء ، ولو فرض عدم قيام القرينة على خصوص زمان من الأزمنة في بعض المقامات فلا انصراف في الصيغة.
نعم لو أخّر حينئذ إلى حيث يصدق التهاون في الامتثال دلّ العرف على المنع من تلك الجهة ، وقد عرفت أنّ ذلك ليس من الفور في شيء وإنّما هو تحديد لجواز التأخير على القول بالطبيعة أو التراخي ، وليس ذلك إذن قيدا في الأمر حتّى يجري فيه الخلاف في فوات المطلوب بفوات الفور ليقال بسقوط الوجوب على أحد الوجهين ، بل لا ريب حينئذ في بقاء الأمر ، وإنّما يحكم بالعصيان من جهة التهاون في الامتثال والمسامحة في أداء ما أهمّ به المولى ممّا أوجب الإتيان به ووجوب الفعل على حاله.
نعم لو كان هناك قرينة على إرادة الزمان المعيّن ، كما في كثير من المقامات سقط بفوته من تلك الجهة ، وليس ذلك من محلّ البحث أيضا.