كاذب فيه ، أو بما لا يؤمن فيه من الكذب ، وحيث يستحسن العقلاء ذلك مع عدم العلم بما ذكر فيدلّ على عدم دلالته على نفي الأكل عن الغير.
وما قيل : إنّ فرض علمه بأكل الغير أنّ جهله به يصلح قرينة على عدم إرادة المفهوم المذكور ، فإنّ الظاهر من العاقل أنّه لا يخبر عن نفي ما لم يعلمه فضلا عما علم وقوعه ، حتّى أنّه لو ظهر منه إرادته لنفي ما دلّ عليه لفظه عند القائلين به لكان مستقبحا فاسدا أيضا ، إذ القرينة لا بدّ من ظهورها في الكلام ، أو من خصوصيّات المقام ، ومجرّد علمه في الواقع أو جهله مع عدم إظهار أحدهما لو تمّ قرينة في المقام لكانت الدلالة على المفهوم المذكور كسائر المفاهيم متوقّفة على ظهور علمه بمقتضاها من الخارج ، وعدم الاكتفاء فيه بظاهر التعبير ، إذ معه يلزم ما ذكر من الكذب بعد انكشاف خلافه ، وكلّ ذلك خلاف الضرورة ، وحيث إنّ المسألة من الضروريّات فذكر وجوه الإيراد والجواب فيها تطويل للكلام من غير طائل.
وغاية ما توهّمه المثبت : أنّ ترجيح اللقب المذكور وتخصيصه بالذكر يفتقر إلى مرجّح ، وليس إلّا نفي الحكم عن غير المذكور ، ولو احتمل غيره فالأصل عدمه. وأنّه لو تخاصم شخصان فقال أحدهما للآخر : «لست زانيا وليست لي أمّ ولا اخت ولا امرأة زانية» فإنّه يتبادر إلى الفهم نسبة الزنا إلى خصمه أو زوجته وامّه واخته ، ولذا قال أصحاب أحمد ومالك بوجوب حدّ القذف عليه. وضعف الوجهين في غاية الظهور ، إذ اللقب ليس قيدا زائدا في الكلام حتّى يفتقر إلى فائدة زائدة على أصل الكلام ، فذكره في كلام الحكيم إنّما يفتقر إلى ترتّب فائدة عليه.
وأمّا ترك غيره وعدم التعرّض له فلا يلزم ترتّب الفائدة عليه ، بل ويكفي عدم ترتّبها على الذكر ، على أنّه لو فرض زيادته في الكلام أمكن أن يكون تخصيصه بالذكر لاختصاص الفائدة المقصودة به ، فلا تظهر إلّا بذكر خصوصيّته ، أو لغير ذلك من الوجوه المرجّحة له بالذكر ، والأصل لا يجدي في المقام شيئا ، إذ الدلالة المتوقّفة على انحصار الفائدة إنّما تظهر بظهور الانحصار ، لا بأصالة العدم. وأمّا ما