تقضّي الوقت وخروجه ، فيعلم أنّه كان مأمورا به. وليس يجب ، إذا لم يعلم قطعا أنّه مأمور ، أن يسقط عنه وجوب التحرّز. لأنّه إذا جاء وقت الفعل ، وهو صحيح سليم ، وهذه أمارة يغلب معها الظنّ ببقائه ، فوجب أن يتحرّز من ترك الفعل والتقصير فيه. ولا يتحرّز من ذلك إلّا بالشروع في الفعل والابتداء به. ولذلك مثال في العقل ، وهو أنّ المشاهد للسبع من بعد ، مع تجويزه أن يخترم السّبع قبل أن يصل إليه ، يلزمه التحرّز منه ، لما ذكرناه ، ولا يجب إذا لزمه التحرّز أن يكون عالما ببقاء السّبع وتمكّنه من الاضرار به».
وهذا الكلام جيّد ، ما عليه في توجيه المنع من مزيد. وبه يظهر الجواب عن استدلال بعضهم على حصول العلم بالتكليف قبل الفعل ، بانعقاد الاجماع على وجوب الشروع فيه بنيّة الفرض ، إذ يكفي في وجوب نيّة الفرض غلبة الظنّ بالبقاء والتمكّن ، حيث لا سبيل إلى القطع ، فلا دلالة له على حصول العلم.
وعن الثالث : بالمنع من تكليف إبراهيم عليهالسلام بالذبح الذي هو فري الأوداج ، بل كلّف بمقدّماته كالإضجاع ، وتناول المدية ، وما يجري مجرى ذلك. والدليل على هذا قوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا). فأمّا جزعه عليهالسلام فلإشفاقه من أن يؤمر ـ بعد مقدّمات الذبح ـ به نفسه ، لجريان العادة بذلك. وأمّا الفداء ، فيجوز أن يكون عمّا ظنّ أنّه سيأمر به من الذبح ، أو عن مقدّمات الذبح زيادة على ما فعله ، لم يكن قد أمر بها ، إذ لا يجب في الفدية أن يكون من جنس المفديّ.
وعن الرابع : أنّه لو سلّم ، لم يكن الطلب هناك للفعل ؛ لما قد علم من امتناعه ، بل للعزم على الفعل والانقياد إليه والامتثال. وليس النزاع فيه ، بل في نفس الفعل. وأمّا ما ذكره من المثال ، فانّما يحسن لمكان التوصّل إلى تحصيل العلم بحال العبد والوكيل ، وذلك ممتنع في حقّه تعالى.