مجرد كون المغفرة فعل الله لا يقضي بامتناع المسارعة إليها ، إذ لا مانع من المسارعة إلى فعل الغير بأن يجعل نفسه مشمولا لفعله كما تقول : «سارعوا إلى ضيافة السلطان» و «إلى كرامته» و «إلى إنعامه» ونحوها.
نعم يمتنع المسارعة إلى أداء فعل الغير ولا قاضي بإرادته في المقام وحينئذ يكون المسارعة إليه حاصلة بالمسارعة إلى أسباب شموله من غير أن يراد بالمغفرة سببها ، بل من جهة أنّ المقدور بالواسطة مقدور للمكلّف ، فظهر بذلك أنّ هذا الوجه يشارك الوجه المذكور فيما هو المدّعى من غير التزام التجوّز في المغفرة.
ثمّ إنّه قد يورد في المقام أنّه لا دليل على كون فعل المأمور به سببا للمغفرة ، وإنّما هو باعث على ترتّب الثواب والباعث على الغفران هو التوبة ، فإنّها السبب لغفران الذنب ؛ نعم لا يبعد القول باندراج الكفّارات في ذلك حيث إنّها تكفر الذنب ، فأقصى الأمر أن يفيد الآية كونها مطلوبة على سبيل الفور وأين ذلك عن المدعى؟ والقول بكون مجرّد فعل المأمور به قاضيا بتكفير الذنب مبنيّ على مذهب الحبط والتكفير ولا نقول به.
ويمكن دفعه بأنّه قد ورد سقوط الذنب بأداء بعض الواجبات ، كالصلاة والحجّ ونحوها ، فلا اختصاص لها بالتوبة ونحوها ، وحينئذ يمكن تتميم الدليل بعدم القول بالفصل.
وفيه : أنّ مفاد الآية حينئذ هو وجوب الفور في تحصيل غفران الذنب بعد ثبوته ، وهو أمر ظاهر بملاحظة العقل أيضا ، والظاهر أنّه ممّا لا كلام فيه وحينئذ فالقول بعدم الفصل بين ما يقع مكفّرا للذنب وغيره ، كما ترى.
ويمكن القول بحصول التكفير بالنسبة إلى كلّ من الطاعات ، كما يستفاد من قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (١) ويشير إليه بعض الأخبار فيصحّ القول بإرادة مطلق المأمور به من المغفرة.
__________________
(١) هود : ١١٤.