وذلك أيضا غير مقالة القائلين بالحبط والتكفير ، فإنّهم يقولون بموازنة الحسنات والسيّئات في الدنيا ويثبت للعامل أو عليه التفضيل بينهما ، فعلى هذا يكون ميزان الأعمال في الدنيا قبل الآخرة ، وهذا ليس بمرضيّ ، وسببيّة الطاعة للغفران لا دخل له بهذا المذهب.
ومع الغضّ عن ذلك ففي قوله تعالى : (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ)(١) كفاية في المقام ، فإنّ المراد بالمسارعة إلى الجنّة هي المسارعة إلى الأعمال والطاعات الموصلة إليها ، وذلك كاف في تقرير الاستدلال من غير حاجة إلى ملاحظة كون أداء المأمور به باعثا على الغفران كلّيّا أو جزئيّا.
ويندفع به أيضا ما قد يورد في المقام أنّه إنّما يتمّ في الأوامر المتعلّقة بالعصاة لتكون مكفّرة لذنوبهم ، ولا يجري فيمن لم يتحقّق منه ذنب ، كمن هو في أوّل البلوغ إلّا أن يتمّ ذلك بعدم القول بالفصل على ما ذكرنا ، إذ يعمّ العبادة جميع تلك الصور من غير حاجة إلى ضمّ عدم القول بالفصل لو (٢) تمّ القول به.
ثمّ إنّه قد يورد أيضا في المقام بأنّه ليس في الآية دلالة على العموم ليفيد وجوب المسارعة في جميع الأوامر ، كما هو المدّعى ، فغاية الأمر أن يفيد وجوب الفور في البعض ؛ فيمكن تنزيله حينئذ على التوبة ونحوها ممّا ثبت وجوب الفور فيه.
ويمكن دفعه بكفاية الإطلاق في المقام فإنّ المطلق يرجع إلى العامّ في مقام البيان سيّما مع توصيف النكرة بصفة الجنس ، فإنّه يفيد العموم كما نصّوا عليه في قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) (٣).
وفيه : ـ مع وضوح المناقشة في توصيف النكرة هنا بصفة الجنس ، ضرورة أنّ المغفرة قد تكون من فعل غيره سبحانه ـ أنّ إرادة العموم في المقام يخلّ بالمقصود ، إذ كما يكون الواجبات سببا للغفران كذا الحال في المندوبات ، لشمول
__________________
(١) الحديد : ٢١.
(٢) في نسخة فى بدل «لو» : أو.
(٣) الأنعام : ٣٨.