الخصم ببعض تلك الأمثلة مدّعيا مساواة المقام معها فلا يخرج عن موضوع الأداء ، كيف والاستصحاب إنّما يقتضي الحكم ببقاء ما كان ، على ما كان فكيف يقضي بانتقال الحكم من الأداء إلى القضاء.
ومنها : أنّه لو تمّ ذلك لزم تساوي الفعلين لاندراجهما في مدلول الأمر وتساوي نسبة الأمر إليهما ، فيلزم القول بتخيّر المكلّف بينهما وهو بيّن البطلان.
وأورد عليه : بأنّ للخصم أن يقول بأنّي أدّعي أنّه أمر بالصلاة وبإيقاعها في يوم الخميس فلمّا فات إيقاعها فيه ـ الّذي به كمال المأمور به ـ بقي الوجوب مع نقص فيه.
وفيه : انّه على ذلك يكون المطلوب بالأمر شيئين أحدهما : مطلق الصلاة سواء وقعت في الوقت أو في خارجه أو الصلاة في الجملة لكي يستصحب حكمها فيما بعد الوقت ، والآخر : إيقاعها في يوم الخميس ، فهو بالاعتبار الأوّل لا ترتيب فيه ، فيكون بهذا الاعتبار مفيدا لتخيير المكلّف بينهما ، وإنّما وجب الترتيب بالاعتبار الثاني وليس الكلام فيه، وذلك أنّ الحكم الثاني إذا اعتبر قيدا في الأوّل امتنع شمول الأوّل لما بعد الوقت ، بل واستصحابه أيضا كما عرفت.
ومنها : أنّه إذا علّق الفعل بوقت معيّن فلا بدّ أن يكون ذلك لحكمة ترجع إلى المكلّف ، إذ هي الأصل في شرع الأحكام ظهرت أو لم تظهر. وتلك الحكمة إمّا أن تكون حاصلة من الفعل في غير ذلك الوقت أو غير حاصلة ، والأوّل غير جائز ، لأنّها حينئذ إمّا أن تكون مثلا لها أو أزيد ، والثاني باطل ، وإلّا كان الحثّ على إيجاد الفعل بعد فوات وقته أولى من إيجاده في الوقت وهو محال ، وإن كانت مثلا لم يكن تخصيص أحد الوقتين بالذكر أولى من الآخر. ولأنّ الفعل في الوقت أداء وقد ورد «أنّه لم يتقرّب المتقرّبون إليّ بمثل أداء ما افترضت عليهم» (١). ولأنّ الأصل عدمه. فإذا لم تكن حاصلة في الوقت الثاني حسب حصولها في الأوّل ،
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١ ب ٢٣ من أبواب مقدّمات العبادة ص ٧٨ ح ١٧ ، وفيه هكذا «ما يتقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه».