ويكون الطلب في الإنشاءات متعلّقا بمصاديقها من حيث كون الطبيعة عنوانا لها فهو ممنوع بل ليس المفهوم عرفا من القضايا المتعارفة إلّا ذلك ، فإنّه إذا قيل الصلاة واجبة أو البيع حلال ونحو ذلك كان المفهوم عرفا هو ما قلناه ، حسب ما نصّوا عليه في بحث المعرّف باللام ، وأثبتوا كونها محصورة كلّية بدليل الحكمة وإن كانت المهملة في قوة الجزئيّة عند المنطقيّين. وكذا المفهوم من صلّ أو بع فإنّ المطلوب هو الصلاة أو البيع من حيث كونه عنوانا لمصداقه فيكون الطلب قد تعلّق بالمصداق على ما هو الحال في القضيّة ـ حسب ما ذكرنا ـ فالمستفاد من صلّ والصلاة واجبة أمر واحد ، فكون المتبادر من اللفظ هو الطبيعة المطلقة لا ينافي تعلّق الطلب بالمصداق ، نظرا إلى كون الطبيعة عنوانا له. وحمل كلام القائل بتعلّق الأوامر بالجزئيّات على إرادة ذلك غير بعيد ، بل هو الظاهر. وحينئذ فلا دلالة في التبادر المدّعى على دفع القول المذكور.
ومن ذلك يظهر الحال في الدليل الثاني ، فإنّ كون معناه المادّي هو الماهيّة لا بشرط شيء لا ينافي كون المطلوب مصاديق تلك الماهيّة ، إذ الماهيّة قد تعتبر بحيث يسري الحكم إلى أفرادها ويكون الحكم عليها حكما على أفرادها. وقد يلحظ بحيث لا يسري الحكم منها إلى الفرد كما في القضيّة الطبيعيّة.
ومن البيّن أنّ الشائع في الاستعمالات هو الأوّل ، فمطلوبيّة الماهيّة على الوجه المذكور عين مطلوبيّة الأفراد على الوجه الّذي قرّرناه ، فلا منافاة فيما ذكر للقول بكون المطلوب هو المصاديق والجزئيّات. ولذا تراهم يحكمون في بحث الفور والتراخي والمرّة والتكرار بأنّ المطلوب بالأمر مطلق الطبيعة من دون أن ينافي ذلك القول بكون متعلّق الأمر في الحقيقة هو الأفراد ، نظرا إلى كون الطبيعة عنوانا لها ، فالاكتفاء بحسب فهم العرف بتحقّق المفهوم في الخارج على أيّ نحو يكون ، وعدم مدخليّة الخصوصيّات المعيّنة في الامتثال لا ينافي الحكم بتعلّق الحكم بالأفراد على الوجه الّذي قرّرناه.
نعم إنّما ينافيه لو اخذ الأفراد متعلّقا للحكم بخصوصيّاتها ، وهو فاسد جدّا خارج عن مقتضى فهم العرف قطعا.