إلى علمي الكلام والفقه من الأصول ؛ ولذا لم يتعرّض لها بعض الاصوليين ، إذ لا دخل لها بالبحث عن أحوال الأدلّة من حيث هي لكن لا بأس بالإشارة إليها.
وهذه المسألة وإن كانت مشتركة بين الأوامر والنواهي إلّا أنّ أكثر مباحثها أقرب إلى بحث الأوامر وألصق به ، ولذا جرت العادة ممّن تعرّض لها بذكرها في المقام ، فنقول :
الركن الأوّل المكلّف الآمر :
ولابدّ فيه أن يكون ممّن يجب طاعته على المأمور عقلا أو شرعا وإن صدق الأمر من غيره إذا وقع بضرب من الاستعلاء ـ كما مرّ في محلّه ـ لكن لا يترتّب عليه ما هو المقصود في المقام من الوجوب المقتضي لتحتّم الامتثال. فإن كان حكيما عالما بعواقب الامور ـ كما هو المقصود في المقام ـ توقّف صدور التكليف منه على الحقيقة على امور أربعة : علمه بتمكّن المأمور من الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وبتحقّق شرط الوجوب وانتفاء مانعه في وقت الفعل على وجه تقدّم في المسألة السابقة ويأتي في نسخ الوجوب قبل وقت العمل ، وبكون المأمور به على وجه يجوز الأمر به ، وتمكين المأمور منه بالألطاف الواجبة.
واشترط بعضهم كونه ممّا يترتّب عليه الثواب بأن يكون واجبا أو مندوبا ، وأن يكون الثواب على ذلك الفعل مستحقّا ، وعلمه بقدر المستحقّ عليه من الثواب ، وامتناع القبيح عليه ، وأن يكون غرضه إيصال الثواب إليه ليكون تعريضا له لكونه الفائدة في التكليف ، وأن يكون عالما بأنّه سيفعله على كلّ حال ولا يحبط عمله.
وأنت خبير بأنّ الوجه في اشتراط الامور المذكورة غير ظاهر ، لعدم انحصار فائدة التكليف في إيصال الثواب ، وإنّما ثبت التفضّل على العباد في إطاعتهم بذلك ، وإلّا فالأمر بالفعل الحسن والأمر النافع في الحال والنهي عن القبيح والضارّ حسن على كلّ حال فسقط أكثرها. وامتناع القبيح عليه ليس من الشرائط المعتبرة فيه ، لأنّه إن كان حكيما قادرا كما هو المفروض فلا يفعله ألبتّة ، وإلّا فقد يقع التكليف منه على غير الوجه المستحسن. وإنّما الغرض بيان ما يعتبر في حسن