وأمّا الواجبات الموسّعة فيمكن تعليق الوجوب فيها على دخول أوقاتها ، ولا ينافي ذلك كون أوّل الوقت زمان الفعل أيضا ، فإنّ المراد من التوقيت تعيين الزمان الّذي يصلح للفعل وإن كان تعليق الوجوب عليه موجبا لتأخّره عنه آنا مّا.
فإن قلت : إذا فرضنا مقارنة بعض شرائط الوجوب ـ كالبلوغ والعقل وغيرهما ـ مع أوّل النهار في الصوم الواجب أو أوّل الوقت في سائر الواجبات المضيّقة ، فمقتضى ما ذكر من اشتراط تقدّم الوجوب سقوط الصوم ـ مثلا ـ حينئذ ، كما لو حصل ذلك في أثناء النهار ، مع دعوى القطع بخلافه. وإذا جاز مقارنة الوجوب مع أوّل الوقت في ذلك جاز في غيره.
قلت : إنّ الحكم في ذلك بعد تحقّقه جار على خلاف مقتضى الأصل ، لوضوح أنّ الأصل في العبادة أن يكون مسبوقة بالنيّة مستندة إليها. ومن البيّن أنّ قصد الامتثال مسبوق بحصول الطلب. فلا يكفي فيه الوجوب المشروط قبل تحقّق شرطه وإن علم بحصوله فيما بعد ، لانتفائه قبل ذلك. فلا يكون هو الداعي إلى الفعل وإنّما يكون الباعث عليه علمه بحصوله فيما بعد ، فيكون الحال فيه كما لو علم بوقوع الأمر بعد ذلك ، لكّنه بعد ثبوته ولو بإطلاق الأدلّة ممّا لا مانع منه ، كما لو ثبت الاكتفاء بتجديد النيّة إلى الزوال أو إلى العصر في بعض المقامات ، ومرجعه إلى قصد الإمساك في باقي النهار منضمّا إلى ما كان فكذا في المقام ، فإذا بلغ الصبيّ أو عقل المجنون في أوّل الفجر نوى امتثال التكليف المتعلّق به حينئذ بالإمساك فيما عدا الجزء الأوّل منضمّا إليه وإن كان مقتضى الأصل سبق النيّة عليه ليكون الجزء الأوّل أيضا واقعا بداعي القربة ونيّة الامتثال.
ويمكن أيضا الاكتفاء بقصد الإتيان بما سيجب إذا دلّ الدليل عليه ، وليس ذلك تخصيصا للدليل العقلي الدالّ على لزوم تأخّر فعل الواجب عن الوجوب وتعلّق الطلب بالفعل المتأخّر دون المقارن نظرا إلى ترتّبه عليه وإن لم يكن من العبادة المتوقّفة على النيّة ، إنّما ذلك تصرّف في متعلّق الطلب. وقد يكتفى في ذلك بالتقدّم الطبعي وإن تقارنا في الوجود ، نظرا إلى إمكان الامتثال في مثله بعد العلم بحصوله قبل ذلك.