أن ينتهي إلى عدم وقوع العصيان من جميع أفراد الإنسان وذلك ممّا يقطع بعدم وقوعه في شيء من الشرائع والأديان ، بل هو خلاف المعلوم بضرورة الوجدان ، إذ لا يحصل من عامّة المكلّفين إلّا المخالفة والعصيان إلّا من شذّ من أفراد الإنسان. ولو حصل اللطف على الوجه المذكور لكان الأمر بالعكس ، فلابدّ من القول بإناطة وجوبه بما يقبح التكليف بدونه فيتوقّف الوجه المذكور على إثبات قبح التكليف بما فيه الحرج. وقد يوجّه بالتزام وجوب اللطف مطلقا إلّا حيث يكون هناك حكمة اخرى مانعة عنه. فيكون اللطف من حيث هو واجبا عقليّا لو لا المانع ، فلابدّ أن يكون فيما لا يقع من الألطاف حكمة مانعة من ظهورها وتحقّقها. أمّا ما علم كونه لطفا في حدّ ذاته ولم يظهر هناك مانع من تحقّقه فيمكن البناء على وقوعه في الظاهر إلى أن يثبت المانع ، تمسّكا بالمقتضي المعلوم حتّى يظهر خلافه.
وفيه : أنّ العمل بالمقتضي على فرض ثبوته إنّما يصحّ حيث يمكن نفي المانع بالأصل، وذلك بأن يكون الحكم الشرعي معلّقا على مجرّد عدم المانع ، كما في استصحاب الامور الثابتة عند الشكّ في رافعها ومزيلها. وليس الحال في المقام كذلك ، إذ الغرض من التمسّك بالمقتضي إن كان مجرّد نفي الحكم إلى أن يقوم عليه دليل ، فذلك ممّا لا يتوقّف على إثبات المقتضي لثبوت أصالة النفي ، وإنّما المتوقّف على المقتضي وجود الشيء لا نفيه. وإن كان غير ذلك كتخصيص العمومات الثابتة ورفع الأحكام السابقة ـ كما هو الغرض الأصلي من عنوان المسألة ـ لم يثبت بمجرّد الأصل المذكور لتقدّمها عليه. ولا يكفي في الحكم بوجود الحادث مجرّد المقتضي لعدم ترتّبه على أصالة عدم المانع ، لما تقرّر من عدم حجّية الاصول المثبتة ، فيكون أصالة عدمه سالمة عن المعارض ، على أنّ تحقّق الاقتضاء في مطلق المقرّب محلّ منع ظاهر. ولعلّ هذا مراد من قال : إنّ الواجب هو اللطف الواقعي لا ما يتخيّل أنّه لطف ، ولعلّ التكليف الواصل إلى حدّ الحرج لطف واقعا ونحن لا نعرفه. فمحصّله المنع من كون نفي الحرج لطفا واجبا في حكم العقل. إنّما الثابت ما يستقبح التكليف بدونه واقعا ، فلا يرد عليه أنّه يلزمه سدّ باب الحكم بمقتضاه لانتفاء القدر الثابت منه فيما نحن فيه.