الحال في كلّ موضع دار الأمر في متعلّق التكليف فيه بين التعيين والتخيير ، إذ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة المتوقّفة على مراعاة الوجه الأوّل. ولا فرق في ذلك بين كون الدليل على ذلك إجماعا أو نحوه ، أو من الأدلّة اللفظيّة.
وتوهّم رجوع الأمر إلى تكليف زائد يتعلّق بالمباشرة ـ ومقتضى الأصل في مثله هو الاقتصار على القدر المعلوم وهو التكليف بإيجاد الفعل على الوجه الأعمّ.
وأمّا التكليف بما يزيد عليه فالأصل البراءة عنه ـ مدفوع ، بأنّ المباشرة ليس فعلا آخر غير إيجاد المأمور به حتّى يرجع الشكّ في ذلك إلى الشكّ في وحدة التكليف وتعدّده. إنّما هو شكّ في تعيين المكلّف به وأنّه الأعمّ أو الأخصّ. وإرجاع المعنى الأخصّ إلى الأجزاء العقليّة بالتحليل العقلي لا يجدي في ذلك شيئا ، إذ ليس هناك قدر متيقّن ليحصل الامتثال للقدر المتيقّن من التكليف به ، إذ الوجه الآخر مشكوك فيه من أصله ، فلا يمكن الاكتفاء به في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم.
الثالث : أنّ الحكمة المقصودة من التكاليف وهي الابتلاء والاختبار بتحمّل المشاقّ الحاصلة فيها إنّما يظهر بالمباشرة ولا يحصل بفعل الغير. واحتمال الفائدة في استنابة الغير مدفوع ، بأنّها إذن فائدة اخرى غير ما هو الفائدة في نفس الفعل المأمور به. فإذا لم يقع من المكلّف لم يتحقّق الفائدة المقصودة منه. ففائدة الجهاد ـ مثلا ـ وهي الامتحان ببذل النفس لا يكاد يظهر بفعل النائب ؛ وبذل المال من المنوب عنه غير ما هو الفائدة في نفس الجهاد ، إذ ليس الغرض منه بالأصالة بذل المال ، إنّما هو فائدة العبادات الماليّة الّتي لا يقصد منها إلّا ذلك. فيجوز الاكتفاء بفعل النائب فيما لا يراد منه إلّا الابتلاء ببذل المال الحاصل بالمباشرة والاستنابة على حدّ سواء ، بخلاف ما يكون بذل المال فيه بالتبع كما في الحجّ ، إذ المقصود منه الهجرة عن الأوطان وتحمّل المشاقّ في الإتيان بتلك الأفعال المخصوصة وإن لزمه بذل الأموال في الزاد والراحلة.
والحاصل : أنّه إن علم أنّ غرض الآمر حصول الفعل في الخارج من أيّ مباشر كان ـ كما في الواجبات التوصّليّة ـ جاز فيه التوكيل والاستنابة ، بل يكفي