والظاهر أنّ اللوازم المقصودة بالإفادة في الخطاب بحسب فهم العرف ـ كما في مفهوم الموافقة والمخالفة ودلالة الاقتضاء ـ في حكم الخطاب الأصليّة ، لاندراجها في المداليل اللفظيّة وإن لم يكن على سبيل المطابقة.
والواجب النفسي : ما يكون مطلوبا لنفسه ، والغيري : ما يكون مطلوبا لأجل غيره أي : لحصول الغير والإتيان به.
ولا يرد في المقام كون الواجبات المأمور بها في الشريعة مطلوبة لغيرها من الفوائد الاخرويّة أو الدنيويّة ، فلو بنى على ما ذكر لزم أن يكون الجميع واجبات غيريّة.
وهو بيّن الفساد ، لوضوح الفرق بين تعلّق الطلب بالشيء لثمرة مترتّبة عليه وتعلّق الطلب به من جهة كونه وصلة إلى أداء مطلوب آخر ووسيلة إليه من غير أن يكون ذلك الفعل مطلوبا في نفسه ، والواجب الغيري إنّما هو الثاني.
ثمّ إنّ كلّا من القسمين المذكورين ممّا يصحّ اجتماعه مع كلّ من الآخرين ، فالأقسام المتصوّرة أربعة ، وحينئذ فالنسبة بين كلّ منهما مع كلّ من الآخرين من قبيل العموم من وجه إلّا أنّ اجتماع الواجب النفسي مع التبعي غير ظاهر بعد استقراء الواجبات.
وقد يجعل من ذلك وجوب الفرد بعد تعلّق الأمر بالطبيعة. وفيه تأمّل.
وكيف كان فالواجب النفسي ما يترتّب على تركه استحقاق الذمّ أو العقاب بملاحظة ذاته ، والغيري لا يمكن أن يترتّب عليه ذلك بملاحظة ذاته وإلّا لوجب الاجتناب عن تركه من حيث إنّه تركه ، فيكون واجبا مع قطع النظر عن غيره ، هذا خلف.
والحاصل : أنّ الواجب الغيري وإن كان أصليّا لا يمكن ترتّب استحقاق الذمّ أو العقاب على تركه من حيث إنّه تركه ، وإنّما يكون استحقاق ذلك على ترك ذلك الغير ، فالوجوب فيه تابع لوجوب الغير وآت من قبله وإن كان متعلّقا للخطاب أصالة فإنّ تعلّق الخطاب به إنّما هو من جهة إيصاله إلى الغير ، ومثل ذلك الوجوب ليس قابلا لاستحقاق عقوبة مستقلّة من جهة مخالفته كما لا يخفى.