وبما قدّمناه في الاحتجاج على دلالة النهي على الفساد في العبادات يظهر جواب الاستدلال على انتفاء الدلالة لغة ؛ فانّه على عمومه ممنوع. نعم هو في غير العبادات متوجّه.
واحتجّ مثبتوها كذلك لغة أيضا ، بوجهين :
أحدهما : ما استدلّ به على دلالته شرعا ، من أنّه لم يزل العلماء يستدلّون بالنهي على الفساد.
وأجاب عنه اولئك : بأنّه إنّما يقتضي دلالته على الفساد ، وأمّا أنّ تلك الدلالة بحسب اللّغة ، فلا. بل الظاهر أنّ استدلالهم به على الفساد إنّما هو لفهمهم دلالته عليه شرعا ؛ لما ذكر من الدليل على عدم دلالته لغة.
والحقّ ما قدّمناه : من عدم الحجّيّة في ذلك. وهم وإن أصابوا في القول بدلالته في العبادات لغة ، لكنّهم مخطئون في هذا الدليل. والتحقيق ما استدللنا به سابقا.
الوجه الثاني لهم : أنّ الأمر يقتضي الصحّة ، لما هو الحقّ من دلالته على الأجزاء بكلا تفسيريه. والنهي نقيضه ، والنقيضان مقتضاهما نقيضان. فيكون النهي مقتضيا لنقيض الصحّة ، وهو الفساد.
وأجاب الأوّلون : بأنّ الأمر يقتضي الصحّة شرعا ، لا لغة ، ونقول بمثله في النهي. وأنتم تدّعون دلالته لغة. ومثله ممنوع في الأمر.
والحقّ أن يقال : لا نسلّم وجوب اختلاف أحكام المتقابلات ، لجواز اشتراكها في لازم واحد ، فضلا عن تناقض أحكامها. سلّمنا ، لكن نقيض قولنا : «يقتضي الصحّة» : أنّه «لا يقتضي الصحّة» ، ولا يلزم منه أن «يقتضي الفساد». فمن أين يلزم في النهي أن يقتضي الفساد؟ نعم يلزم أن لا يقتضي الصحّة. ونحن نقول به.