بالمخالفة ، من دون حصول تناف بين الكلامين. وذلك دليل على عدم اللزوم بيّن.
حجّة القائلين بالدلالة مطلقا بحسب الشرع لا اللغة : أنّ علماء الأمصار في جميع الأعصار ، لم يزالوا يستدلّون على الفساد بالنهي في أبوابه ، كالأنكحة والبيوع وغيرها. وأيضا لو لم يفسد ، لزم من نفيه حكمة يدلّ عليها النهي ، ومن ثبوته حكمة تدلّ عليها الصحّة واللازم باطل ؛ لأنّ الحكمتين ، إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا ، وكان الفعل وعدمه متساويين ، فيمتنع النهي عنه ؛ لخلوّه عن الحكمة. وإن كانت حكمة النهي مرجوحة فهو أولى بالامتناع ؛ لأنّه مفوّت للزائد من مصلحة الصحّة ، وهو مصلحة خالصة ؛ إذ لا معارض لها من جانب الفساد ، كما هو المفروض. وإن كانت راجحة فالصحّة ممتنعة ؛ لخلوّها عن المصلحة ، بل لفوات قدر الرجحان من مصلحة النهي ، وهو مصلحة خالصة لا يعارضها شيء من مصلحة الصحّة.
وأمّا انتفاء الدلالة لغة ، فلأنّ فساد الشيء عبارة عن سلب أحكامه. وليس في لفظ «النهي» ما يدلّ عليه لغة قطعا.
والجواب عن الأوّل : أنّه لا حجّة في قول العلماء بمجرّده ، ما لم يبلغ حدّ الإجماع. ومعلوم انتفاؤه في محلّ النزاع ؛ إذ الخلاف والتشاجر فيه ظاهر جليّ.
وعن الثاني : بالمنع من دلالة الصحّة ، بمعنى ترتّب الأثر على وجود الحكمة في الثبوت ؛ إذ من الجائز عقلا انتفاء الحكمة في إيقاع عقد البيع وقت النداء مثلا مع ترتّب أثره ـ أعني انتقال الملك ـ عليه. نعم ، هذا في العبادات معقول ؛ فإنّ الصحّة فيها باعتبار كونها عبارة عن حصول الامتثال ، تدلّ على وجود الحكمة المطلوبة ؛ وإلّا لم يحصل.