كون النهي بنفسه مفيدا للتحريم ، بل أقصى الأمر أن يراد منه التحريم ولو كان استفادته منه بعد ضمّ الأمر المذكور إليه ، والفرق بين الوجهين المذكورين واضح ، فتكون الآية المذكورة قرينة عامّة لإفادة نواهيه التحريم. ولذا استدلّ بها صاحب الوافية على مذهبه.
فالأولى الجواب عنه : بأنّ ذلك بيان للازم الوضع فإنّه إذا دلّ ذلك على حمل نواهيه المطلقة على التحريم أفاد عرفا حصول الوضع له ـ كما إذا قال القائل : متى وجدت اللفظ الفلاني خاليا عن القرينة في العرف فاحمله على كذا أفاد كونه موضوعا بإزائه ـ واحتمال كون ذلك قرينة عامّة لحمل النهي عليه وبيانا للمراد منه بعيد في المقام ، وليس ذلك من شأنه تعالى.
وعن الثالث : أنّه ليس المقصود بالآية الشريفة بيان مقصود النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من نواهيه ولا بيان وضعه لذلك ، بل المراد به الحثّ على طاعته والاجتناب عن مخالفته كسائر الآيات الدالّة عليه ، إلّا أنّ التعبير بلزوم الاجتناب عند نهيه دليل على كون نهيه للتحريم ، حيث إنّ الاجتناب عن مخالفته لترك مناهيه المطلقة يفيد كون نواهيه المطلقة مفيدا للتحريم ، إذ لو كان نهيه لمطلق الكراهة أو الأعمّ منها لم يلزم من الإتيان بالمنهيّ عنه مخالفته.
وعن الرابع : أنّ الصيغة المطلقة الصادرة من العالي نهي قطعا ، كما هو ظاهر من ملاحظة العرف ، فمقتضى الآية الشريفة حينئذ وجوب الاجتناب وهو قاض بكون الصيغة للتحريم.
وعن الخامس : انّ وجوب الانتهاء إنّما علّق على ما تعلّق به النهي على سبيل الحقيقة، وعند القائل بكون النهي للتحريم لا يكون المكروه منهيّا عنه ، نعم لو كان لفظ النهي موضوعا للأعمّ صحّ الإيراد المذكور ، إلّا أنّ المستدلّ لا يقول به وإنّما يرد ذلك على من يلتزم به ، وهو وجه ضعيف بعد القول بكون الصيغة حقيقة في التحريم ، ومع الغضّ عنه يفيد الدوران بين التخصيص والمجاز تقدّم التخصيص عليه ، ودعوى كونه من قبيل التخصيص بالأكثر فعلى فرض جوازه يقدّم المجاز عليه ، ممنوع.