ويدفع الأوّل : أوّلا بأنّه لا حاجة إلى إثبات الإجماع عليه ، فإنّ المسألة من مباحث الألفاظ ويكتفى فيها بالظنّ.
ومن البيّن أنّ اشتهار ذلك في كلامهم خصوصا عند القدماء منهم من أقوى الأسباب على حصول الظنّ بالاستفادة المذكورة ، إذ يبعد جدّا استناد معظم الأصحاب في المداليل اللفظيّة إلى ما لا دلالة فيه أصلا ، كيف! ولا يقصر ذلك عن الاستناد إلى كلمات أهل اللغة والرجوع إلى سائر الأمارات الظنّية في إثبات المداليل اللفظيّة فلا مانع من الاحتجاج به مع عدم البلوغ حدّ الإجماع المفيد للقطع ، إذ ليست المسألة إلّا من مباحث الألفاظ ولا حاجة فيها إلى القطع.
وثانيا : بأنّ دعوى الإجماع في المقام غير مستبعد فالّذي يظهر من تتبع كلامهم في المباحث المتفرّقة كون الاستناد إلى ذلك معروفا في كلام القدماء من عصر الصحابة والتابعين ، وقد نقله علماء الفريقين في المقام ، وذكروا أنّ الاستناد إلى النواهي في الحكم بالفساد ممّا اتفق عليه علماء الأعصار في جميع الأمصار.
والثاني بأنّ أقصى ما يلزم من ذلك وقوع الخلاف في المسألة وعدم انعقاد الإجماع عليها.
وقد عرفت أنّه غير مناف لما هو المقصود من حصول الظنّ باستفادة الفساد إلّا أن يدّعى شهرة خلافه بينهم ، وهو غير ظاهر بعد ملاحظة ما قرّرناه من حمل النواهي على الفساد. وما يدّعى من اشتهار القول بعدم دلالة النهي في المعاملات على الفساد ـ على فرض تسليمه ـ يمكن حمله على عدم دلالة مجرّد النهي على الفساد ، وهو كذلك فإنّا لا نقول بدلالة مجرّد النهي على الفساد وإنّما نستفيد الفساد من كون النهي لأجل المعاملة فيكون ذلك أمارة قاضية بذلك ، مضافا إلى أنّ وجود الخلاف بل واشتهاره لا ينافي انعقاد الإجماع الكاشف عن قول الحجّة كما هو الحال في عدّة من مسائل الاصول وكثير من مسائل الفروع وهو ظاهر.
وعن الثالث بأنّ الكلام المذكور حجّة القول بالتفصيل بين الصورتين المذكورتين كما هو المحكيّ من بعض المتأخّرين وسنقرّر ضعفه.