وأمّا الثاني ، فلأنّ الظاهر : أنّه لا مجال لإنكار إفادة المفرد المعرّف العموم في بعض الموارد حقيقة ؛ كيف ودلالة أداة التعريف على الاستغراق حقيقة وكونه أحد معانيها ، ممّا لا يظهر فيه خلاف بينهم ؛ فالكلام حينئذ إنّما هو في دلالته على العموم مطلقا ، بحيث لو استعمل في غيره كان مجازا ، على حدّ صيغ العموم الّتي هذا شأنها. ومن البيّن : أنّ هذه الحجّة لا تنهض بإثبات ذلك ، بل إنّما تثبت المعنى الأوّل الّذي لا نزاع فيه.
فائدة مهمّة :
حيث علمت أنّ الغرض من نفي دلالة المفرد المعرّف على العموم ، كونه ليس على حدّ الصيغ الموضوعة لذلك ، لا عدم إفادته إيّاه مطلقا ، فاعلم : أنّ القرينة الحاليّة قائمة في الأحكام الشرعيّة غالبا ، على إرادة العموم منه ، حيث لا عهد خارجيّ ، كما في قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) وقوله عليهالسلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» ، ونظائره ، ووجه قيام القرينة على ذلك امتناع إرادة الماهيّة والحقيقة ؛ إذ الأحكام الشرعيّة إنّما تجري على الكلّيّات باعتبار وجودها ، كما علم آنفا.
وحينئذ ، فإمّا أن يراد الوجود الحاصل بجميع الأفراد أو ببعض غير معيّن. لكن إرادة البعض ينافي الحكمة ؛ إذ لا معنى لتحليل بيع من البيوع ، وتحريم فرد من الربا ، وعدم تنجيس مقدار الكرّ من بعض الماء ، إلى غير ذلك من موارد استعماله في الكتاب والسنّة ؛ فتعيّن في هذا كلّه إرادة الجميع ، وهو معنى العموم.
ولم أر أحدا تنبّه لذلك من متقدّمي الأصحاب ، سوى المحقّق ـ قدّس الله نفسه ـ فإنّه قال في آخر هذا البحث : «ولو قيل : إذا لم يكن ثمّ معهود ، وصدر من حكيم ، فإنّ ذلك قرينة حاليّة تدلّ على الاستغراق ، لم ينكر ذلك».