قوله : (احتجّوا بأنّ النهي تكليف ... الخ.)
محصّله أنّ النهي تكليف ، ولا شيء من التكليف متعلّقا بغير المقدور ، فلا شيء من النهي يتعلّق بغير المقدور ، وكلّ عدم غير مقدور ، فلا شيء من النهي متعلّقا بالعدم. والمقدّمات المأخوذة في الاحتجاج المذكور مسلّمة ، إلّا الكبرى الأخيرة فبيّنه بقوله : «لكونه عدما أصليّا ... الخ».
هذا وقد يستدلّ أيضا على ذلك بوجه آخر أشار إليه في غاية المأمول وحاصله : أنّ الامتثال إنّما يتحقّق بالكفّ عن الفعل ، والثواب إنّما يترتّب عليه دون مجرّد الترك ، فما تعلّق الطلب به هو الّذي ترتّب الامتثال والثواب عليه.
وأجاب عنه بالمنع من ترتّب الثواب على الكفّ ، بل إنّما يترتّب الثواب على الترك من دون مدخليّة الكفّ.
وأنت خبير : بأنّ حصول الامتثال وترتّب الثواب إنّما يتصوّر فيما إذا ترك المنهيّ عنه لأجل نهيه عنه ، وأمّا إذا تركه لأجل أمر آخر مع علمه بالنهي أو عدمه فليس ذلك قاضيا بصدق الامتثال ولا باعثا على ترتّب الثواب ، حسب ما مرّ بيانه ، لكن لا يقضي ذلك بعدم حصول المطلوب بالترك المفروض ، لما عرفت من الفرق بين أداء الواجب وترك المحرّم وحصول الامتثال. فقوله : إنّ تحقّق الامتثال وترتّب الثواب إنّما هو في صورة الكفّ ـ على فرض تسليمه ـ لا يقضي بتعلّق النهي بالكفّ ، إذ تعلّق النهي بالترك لا يستدعي حصول الامتثال بمجرّد الترك ، كما أنّ تعلّق الأمر بالفعل لا يقضي بحصول الامتثال بمجرّد الإتيان به ، بل يتوقّف أيضا على كون أدائه من جهة أمر الآمر به ، وبدونه يكون أداءا للواجب من غير أن يكون امتثالا كما مرّ تفصيل القول فيه. فما زعمه المستدلّ من الملازمة ممنوعة ، ولو سلّم ذلك نقول : إنّ حصول الامتثال وترتّب الثواب حينئذ إنّما هو من أجل الترك دون الكفّ وإن كان مجامعا له ، إذ مجرّد حصول الكفّ حينئذ لا يستدعي كون الامتثال من جهته ، لما عرفت من الفرق بين الأمرين. وكون الامتثال حاصلا من جهة الترك ، فإن أراد المجيب بترتّب الامتثال على الترك ترتّبه عليه في