فلا أقلّ من كون ذلك محلّا للخلاف ، موردا للالتباس ، ممنوعا عند الجماعة ، مع جواز الاستعمال المذكور عند الكلّ ، بل قضاء ضرورة اللغة به ، حيث لا مجال لاحتمال المنع منه، فكيف! يبنى صحّته على الوجه المذكور المختلف فيه بل الممنوع منه عند المحقّقين ، فالاتّفاق على صحّة التعبير المذكور مع ظهور الخلاف في صحّة التخصيص إلى الحدّ المذكور دليل على عدم استناد جوازه إلى ذلك ، فيكون شاهدا على عدم وضعه للعموم. ويوضّح ذلك أنّ العبارة المذكورة بناء على كون المفرد المعرّف للعموم بمنزلة قولك : أكلت كلّ خبز وشربت جميع المياه ، ومن الواضح استهجان الثاني في العرف وعدم جريانه في الاستعمالات والمنع منه عند الجماعة بخلاف الأوّل ، لجريانه في الاستعمال وعدم استهجانه أصلا ، وعدم توهّم أحد حصول المنع منه فهو أقوى دليل على الفرق ، وليس إلّا من جهة إفادة الثاني للعموم دون الأوّل كما هو المدّعى.
ويدفعه : أنّه إنّما يتمّ ذلك لو انحصر طريق التجوّز فيه في التخصيص كما في المثال المذكور ، أمّا لو أمكن التجوّز فيه بغيره كإرادة الجنس أو العهد فلا مجال للإيراد المذكور أصلا ، ولا خلاف لأحد في جواز استعمال المفرد المعرّف في كلّ من المعنيين وإن اختلفوا في اختصاصه وضعا بالعموم على ما يتراءى من ظاهر كلماتهم.
وهذا هو الوجه في الاتّفاق على جواز الاستعمال المذكور مع وضوح الخلاف في جواز التخصيص بالأكثر ، فالاحتجاج المذكور ضعيف جدّا على أنّه ـ مع الغضّ عمّا ذكرنا والقول بصحّة البيان المذكور ـ فهو لا يقضي بنفي كونه حقيقة في العموم مطلقا أقصى الأمر أن يفيد عدم وضعه لخصوص العموم ، فلا ينافي ما اخترناه من وضعه للقدر المشترك. فإن كان المقصود بالاحتجاج بيان ذلك فلا كلام. وإن اريد نفي كون إطلاقه مع إرادة العموم حقيقة مطلقا فهو موهون جدّا ، على أنّه يمكن الإيراد عليه بأنّه لا مانع من القول بكونه موضوعا للعموم بكون الاستعمال المذكور مجازا ، وما ذكر من منع إطلاق العامّ على الواحد على فرض