وفي قوله «غالبا» إشارة إلى عدم إفادته العموم في بعض المواضع ممّا يقع متعلّقا للأمر أو يقع في سياقه للاكتفاء بإيقاعه في ضمن فرد مّا ، ولذا فصّل بعض الأفاضل في المقام فقال : إنّ المفرد المعرّف إذا وقع متعلّقا للأمر كان مفاده الطبيعة في ضمن فرد مّا ، لشهادة العرف بحصول الامتثال به ، وإذا وقع متعلّقا للنهي أفاد العموم ، لعدم حصول ترك الطبيعة إلّا بتركها في ضمن جميع الأفراد مضافا إلى شهادة فهم العرف بإرادة ذلك وتوقّف حصول الامتثال عندهم على ذلك ، وإذا وقع متعلّقا لسائر الأحكام ـ كالحلّية والطهارة وعدم الانفعال بالنجاسة ونحوها ـ أفاد العموم بالنظر إلى دليل الحكمة ـ حسب ما أشار إليه ـ ويمكن أن يقال باستفادة العموم منه في مقام الأمر أيضا ، إذ ليس المقصود حينئذ إيجاد الطبيعة في ضمن فرد معيّن إذ لا تعيين ، ولا في ضمن فرد مّا على سبيل الإبهام والإجمال لخروج الكلام منه عن الإفادة ، بل المقصود أداؤها في ضمن أيّ فرد كان.
غاية الأمر أن يكون العموم فيه بدليّا فاستفادة العموم حاصلة في المقامين غير أنّ العموم هنا بدلي وفي غيره استغراقي ، والظاهر أنّ المفصّل المذكور قائل بذلك أيضا ، والمصنّف أيضا يقول به ، فلا خلاف في المعنى إنّما الكلام في التسمية.
والحقّ أن يقال : إنّ متعلّق الأحكام الشرعيّة إنّما هي الطبائع من حيث اتّحادها مع أفرادها ، وكونها عنوانات لمصاديقها من غير أن يكون الأفراد بنفسها متعلّقا للأحكام ، بل من حيث اتّحادها مع الطبيعة ، حيث إنّ الأمر قد تعلّق بالطبيعة من الحيثيّة المذكورة ـ حسب ما أشرنا إليه ـ وحينئذ فإمّا أن يتعلّق الأمر بها من حيث اتّحادها مع فرد مخصوص أو مع فرد مّا أو جميع الأفراد ، وحيث لا سبيل إلى الأوّل لانتفاء العهديّة والجهة المعيّنة وعدم حصول فائدة في الثاني يتعيّن الثالث ، وليس ذلك قاضيا باستعمال اللفظ في العموم ، بل إنّما يفيد كون المراد من تعليق الحكم على الطبيعة هو الطبيعة الحاصلة في ضمن كلّ فرد من أفرادها ، فيكون اعتبار الحكم المذكور مكمّلا للمراد دالّا على العموم من دون أن يكون ذلك مرادا من اللفظ ، ويحتمل القول بكون الحكمة المذكورة قرينة على إرادة ذلك