منذوره شيئا واحدا وهو ترك الكلّ ، والمعنيان المذكوران كما ترى في غاية البعد عن المفرد ، بل الظاهر فساد الحمل عليهما ، أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّه إنّما يتمّ إذا كان هناك أداة للعموم ليتعلّق النفي به ، فيكون سببا للعموم ، كما في قولك : ما جائني كلّ واحد من الناس إذا جاءك بعضهم.
وأمّا إذا كان مفاد اللفظ نفس الوحدات ، كما إذا قلت : ما جائني العالم ، مريدا بالعالم خصوص عالم عالم ، بأن تجعل ذلك المفهوم مرآتا لملاحظة الأفراد المندرجة تحته ، فلا يكون مفاده إلّا عموم السلب.
وعلى هذا فيكون مفاد العبارة في المقام الحلف على عدم شرب آحاد المياه ، فيحنث إذا شرب واحدا منها ، كما إذا نذر أن لا يتزوّج الثيّبات ، فإنّه يحنث بتزويج واحدة منها على التحقيق ، إذ ثبت منها على القول الآخر. فما ذكره من التفريع لا يتمّ إلّا على أحد الوجهين ، وقد عرفت ضعف إرادتهما في المقام.
ثمّ لا يخفى أنّه لم يتعرّض في المثال لحمله على الجنس ، مع أنّ الحمل عليه أظهر في المقام ، لما عرفت من أنّ حمل المفرد على الجنس أوضح من غيره ، بعد انتفاء معهود خاصّ يحمل عليه ، كما في المقام وحمله على المتعارف بين الناس ليس من العهد ، بل من حمل المطلق على المتعارف إن سلّم الشيوع في المقام في إطلاق الماء ، لكن لا يذهب عليك أنّ حمله على الجنس في المقام يرجع إلى العموم على الوجه الثالث ، حسب ما يأتي بيانه إن شاء الله ، فيتحقّق الحنث بشرب البعض قطعا.
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ ما ذكره ـ من قضاء أصالة البراءة عن الزائد بحمله على المعهود ـ ليس جاريا في جميع الموارد ، ولا يريد أنّ الاحتجاج بها على ذلك كلّها ، بل إنّما أراد به قضاء الأصل به في الجملة ، كما عرفت الحال فيه في الأمثلة المتقدّمة ، فلا يرد عليه عدم جريانه في المثال المذكور ، لكون حمله للعموم هنا أوفق بالأصل ، إذ لا يجب عليه حينئذ ترك شرب شيء من المياه.
فالإيراد المذكور عليه ـ بأنّ لزوم الكفّارة في الحنث يعني عند شرب البعض عند إرادة العهد مخالف لأصل البراءة ـ ليس على ما ينبغي.