وإلّا فليس «لا رجل» نصّا فيه أيضا كما مرّ ، ولا ريب أنّ قضيّة ظاهر اللفظ هو الإطلاق ، ونفي ذلك يفيد العموم قطعا ، كما هو الحال في لا رجل. وأمّا احتمال إطلاقه على الخاصّ وورود النفي عليه فهو قائم في «لا رجال» أيضا ، بأن يكون قد أطلقه على رجال مخصوصين وأورد النفي عليها ، ثمّ يأتي بعد ذلك بقرينة تدلّ على ذلك ، كما هو الحال في قوله : ليس عندي رجال.
والحاصل : أنّ ذلك خروج عمّا يقتضيه مدلول اللفظ ورجوع إلى ما يقتضيه القرائن ، ولا ينافي ذلك النصوصيّة الملحوظة في المقام ، فتأمّل. وينقل فيه خلاف عن النحاة فيما إذا كان الدالّ على النفي «ليس» ومشابهتاه في نحو قولك : ليس في الدار رجل و «ما في الدار رجل» و «لا رجل قائما» فالمحكيّ عن سيبويه أنّها للعموم ، والمحكيّ عن المبرّد والجرجاني والزمخشري أنّها ليست للعموم لا نصّا ولا ظاهرا ، وعن اليمني في المغني أنّ «ما من رجل» و «لا رجل في الدار» و «لا رجل قائما» جواب لسؤال مطابق له في العموم ، منطوق به أو مقدّر ، وهو «هل من رجل» و «هل فيها رجل» و «هل رجل في الدار» وإنّ السؤال في الأوّلين كان عن الجنس فجاء الجواب بنفي الجنس ، وفي الثاني عن الواحد فجاء نافيا له.
ومن ثمّ امتنعت المخالفة في الأوّلين وصحّت في الثاني ، فيجوز بل رجلان. ثمّ ذكر أنّ هذا تحقيق مذهب النحاة ، وحكي من أرباب الاصول إطلاق القول بالعموم ، قال : والتحقيق ما قال النحاة. وظاهر كلامه إطباق النحاة عليه ، حيث أسنده إليهم من غير نقل خلاف عنهم. وظاهر ما يستفاد من كلامه أنّ استفادة العموم من النكرة في الأوّلين إنّما هي من جهة نفي الجنس القاضي بنفي جميع الآحاد لا من جهة الوضع بالخصوص ، وعدم الدلالة في الأخير من جهة كون المنفيّ خصوص الواحد ، فلا يدلّ على نفي ما عداه. ثمّ إنّ ظاهر ما حكي عن الاصوليّين إنّها تفيد العموم بالوضع ، وقد اختاره جماعة من المتأخّرين ، وحينئذ فالموضوع للعموم إمّا الهيئة التركيبيّة أو خصوص النكرة المقيّدة بالوقوع في سياق النفي.