وعن السبكي والحنفيّة أنّ دلالة النكرة المنفيّة عليه التزاميّة ، وهذا هو الظاهر عندي. وقد احتجّوا على كونها للعموم بوجوه :
أحدها : التبادر فإنّ السيّد إذا قال لعبده : «لا تضرب أحدا» فضرب واحدا عدّ عاصيا ، وذمّه العقلاء ، وصحّ للمولى عقوبته.
ثانيها : صحّة الاستثناء منه مطّردا ، وهو دليل الوضع للعموم ، فإنّ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل.
ثالثها : أنّها لو لم تكن مفيدة للعموم لكان كلمة «لا إله إلّا الله» غير مفيدة للتوحيد ، لعدم إفادتها نفي الالوهيّة عن جميع من سواه تعالى ، وهو باطل إجماعا.
رابعها : أنّ أهل اللسان إذا أرادوا تكذيب من قال : «ما أكلت شيئا» قالوا : قد أكلت كذا ، وهو موجبة جزئيّة ، فيكون الأوّل سلبا كلّيا ، وإلّا لم يكن ذلك تكذيبا له ، لجواز صدق الجزئيّتين.
خامسها : إجماع العلماء على التمسّك بقوله عليهالسلام : «لا يقتل والد بولده ولا يقتل مؤمن بكافر» ونحوهما على العموم ، ولو لا دلالتهما عليه لما صحّ ذلك.
سادسها : ظهور الاتّفاق عليه من القائلين بوضع صيغة للعموم تخصّه ، كما هو مختار المعظم.
سابعها : أنّ النكرة المثبتة لا تفيد ثبوت الحكم على سبيل الجمع والاستغراق إجماعا ، ولا ثبوته لفرد مخصوص ، وإلّا لكان علما ، فهو إنّما يفيد ثبوت الحكم لواحد غير معيّن ، فنفيه إنّما يكون باستغراق النفي ، إذ نقيض كلّ شيء رفعه ، ولا تناقض بين الجزئين ليكون أحدهما نفيا للآخر ورفعا له.
وأنت خبير بأنّ الوجه الأخير إنّما يفيد دلالة النكرة على العموم على سبيل الالتزام ، حيث إنّ نفي فرد مّا إنّما يكون بنفي جميع الأفراد ، حسب ما هو المختار ، من غير حاجة إلى وضعها لذلك ، لحصول الإفادة المذكورة نظرا إلى ذلك مع فرض انتفاء الوضع له بالخصوص ، فمن فرض وقوع الاحتجاج بذلك في كلامه ـ كالعلّامة في النهاية ـ فالظاهر منه قوله بما اخترناه ، بل ليس القدر المسلّم من سائر