احتجّ مجوّزوه إلى الواحد بوجوه :
الأوّل : أنّ استعمال العامّ في غير الاستغراق يكون بطريق المجاز ، على ما هو التحقيق ، وليس بعض الأفراد أولى من البعض ؛ فوجب جواز استعماله في جميع الأقسام إلى أن ينتهى إلى الواحد.
الثاني : أنّه لو امتنع ذلك ، لكان لتخصيصه وإخراج اللفظ عن موضوعه إلى غيره. وهذا يقتضي امتناع كل تخصيص.
الثالث : قوله تعالى : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ، والمراد هو الله تعالى وحده.
الرابع : قوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) ، والمراد نعيم بن مسعود ، باتّفاق المفسّرين. ولم يعدّه أهل اللسان مستهجنا ؛ لوجود القرينة ؛ فوجب جواز التخصيص إلى الواحد ، مهما وجدت القرينة. وهو المدّعى.
الخامس : أنّه علم بالضرورة من اللغة صحّة قولنا : «أكلت الخبز وشربت الماء» ، ويراد به أقلّ القليل ممّا يتناوله الماء والخبز.
والجواب عن الأوّل : المنع من عدم الأولويّة ؛ فانّ الأكثر أقرب إلى الجميع من الأقلّ. هكذا أجاب العلّامة رحمهالله في النهاية.
وفيه نظر ، لأنّ أقربيّة الأكثر إلى الجميع يقتضى أرجحيّة إرادته على إرادة الأقلّ ، لا امتناع إرادة الأقلّ ، كما هو المدّعى.
فالتحقيق في الجواب أن يقال : لمّا كان مبنى الدليل على أنّ استعمال العامّ في الخصوص مجاز ، كما هو الحقّ ، وستسمعه ، ولا بدّ في جواز مثله من وجود العلاقة المصحّحة للتجوّز ، لا جرم كان الحكم مختصّا باستعماله في الأكثر ، لانتفاء العلاقة في غيره.
فان قلت : كلّ واحد من الأفراد بعض مدلول العامّ ، فهو جزؤه.