بارتفاعها والأمن من ترتّبها ، ولا يحصل ذلك بمجرّد الظنّ ، لقيام الاحتمال الباعث على الخوف ، وأنّ الأخذ بطريق الظنّ ممّا يغلب فيه عدم الانطباق ويكثر فيه الخطأ فلا يؤمن مع الأخذ به من ترتّب الضرر.
كيف؟ ولو لا ذلك لما قامت الحجّة للأنبياء على الرعيّة ، إذ بمجرّد ادّعاء النبوّة ودعوى إقامة المعجزة لا يحصل إلّا خوف الضرر مع المخالفة وعدم الاستكشاف عن حقيقة حاله ، فلو لا حكم العقل إذن بوجوب ذلك لجاز لهم عدم الالتفات إلى كلامه وترك الظنّ مع معجزته فلا يتمّ الحجّة عليهم. والحاصل أنّ ذلك من الامور الواضحة الّتي تشهد بها الفطرة السليمة على سبيل الوضوح. ثمّ إنّ في عدّة من الآيات الكريمة دلالة عليه على ما قرّرناه من المنع من الأخذ بالظن كذلك.
وفي عدّة من الآيات الكريمة دلالة عليه.
والقول بورودها في الاصول دون الفروع فلا تدلّ على عدم جواز الاستناد إليها في الأحكام ، وأنّ الأخذ بذلك أخذ بالظنّ في عدم جواز الأخذ بالظنّ فيدور مدفوع.
أمّا الأوّل : فبأنّ جملة من تلك الآيات إنّما وردت في الفروع وإنّما المستفاد منها إعطاء القاعدة في عدم الاكتفاء بالظنّ في تحصيل الحقّ ، بل هي واردة في مقام الإنكار على الكفّار وذمّهم في اتّكالهم على الظنون والاحتجاج عليهم بحكم العقل بقبحه ، فهو استناد إلى ما هو مرتكز في العقول من عدم جواز الاعتماد على الظنّ والتخمين في امور الدين مع عظم خطرها وشدّة الضرر المتفرّع عليها ، فالمقصود إقامة الحجّة عليهم بمقتضى عقولهم لا بالنصّ المتوقّف على صدقه ليدور الاحتجاج ، ولا يكون وقع لإيراد الذمّ عليهم مع عدم ظهور قبح ما ارتكبوه إلّا من جهة نصّه (١) فيكون ذلك شاهدا شرعيّا على صحّة ما وجدناه من حكم العقل بقبح الأخذ بالظنّ ، فاحتمال طروّ التخصيص عليه ساقط جدّا مضافا إلى أخذه كبرى في القياس ، فلا يراد به إلّا الكلّية ليتمّ الاحتجاج.
__________________
(١) في «ف» و «ق» : ذمّه.