مطلق الظنّ فإنّما يستند فيه إلى حجّة قطعيّة كيف؟ ولو استند فيه إلى الظنّ لدار.
فظهر ممّا قرّرنا أنّ المستفاد من العقل والنقل كتابا وسنّة وإجماعا عدم حجّية الظنّ من حيث إنّه ظنّ ، نعم لو قام دليل قطعي ابتداء أو بواسطة على حجّيته كان حجّة وجاز الاستناد إليه وكان ذلك الظنّ خارجا عن القاعدة المذكورة.
فإن قلت : من المقرّر عدم قبول القواعد العقليّة للتخصيص ، فلو كان العقل مستقلّا في الحكم المذكور لم يمكن القول بحجّية شيء من الظنّون الخاصّة.
قلنا : لا نقول باستثناء ذلك من القاعدة المذكورة وإنّما نقول بخروجها عن موضوع تلك القاعدة.
وتوضيح ذلك أنّ مقتضى القاعدة المذكورة عدم حجّية الظنّ من حيث هو ظنّ إذا لم يلاحظ انتهاؤه إلى اليقين ، والمقصود في الاستثناء المذكور هو حجّية الظنون المنتهية إلى اليقين ، وليس أحدهما مندرجا في الآخر ، بل هما أمران متباينان ، فالقاعدة المذكورة غير مخصّصة ولا قابلة للتخصيص ، والعقل والنقل متطابقان في الحكم بها من غير طريان تخصيص عليها. وكيف يتوهّم لزوم التخصيص في تلك القاعدة من جهة حجّية بعض الظنون ، مع أنّ الآخذ به بعد انتهائه إلى اليقين أخذ باليقين دون الظنّ؟
فإن قلت : إذا اخذ الظنّ في بعض مقدّمات المطلوب كانت النتيجة تابعة للأخسّ ، فكيف يدّعى كونها قطعيّة في المقام مع أنّ المفروض كون بعض مقدّماتها ظنّية؟
قلت : فرق بين أخذ القضيّة الظنّية في المقدّمات وأخذ الظنّ بها فيها ، إذ لا شكّ في كون الثاني من الامور المعلومة الوجدانيّة ، والمأخوذ في المقام إنّما هو الثاني دون الأوّل.
والحاصل : أنّ المدّعى عدم حجّية الظنّ من حيث هو ، والظنّ الّذي دلّ الدليل القاطع أو المنتهي إلى القطع على حجّيته ليس من هذا القبيل ، إذ ليس الحجّة حينئذ في الحقيقة هو ذلك الظنّ ، بل الدليل القاطع الدالّ عليه ، فيرجع الأمر حينئذ إلى