ومنها : أنّ مفاد هذه الآيات عدم حجّية الظنّ من حيث هو ، وأمّا إذا قام الدليل القاطع على حجّيته فليس الاتّكال على الظنّ ، بل على القاطع الّذي دلّ على الأخذ بمقتضاه ، فمفاد هذه الآيات هو ما دلّ عليه العقل من عدم جواز الاتّكال على مجرّد الظنّ على حسب ما بيّناه سابقا ، وحينئذ فلا ترتبط بالمدّعى فإنّ من يقول بحجّية مطلق الظنّ إنّما يقول به من جهة قيام الدليل عليه كذلك ، فمفاد هذه الآيات ممّا اتّفق عليه القائلون بالظنون الخاصّة والقائل بحجّية مطلق الظنّ ، إلّا أنّ القائل بحجّية مطلق الظنّ إنّما يقول به بعد إقامة الدليل عليه كذلك كالقائل بحجّية الظنون الخاصّة ، فلا دلالة في هذه الآيات على إبطال شيء من الأمرين.
ومنها : أنّ هذه الآيات عمومات وما دلّ على حجّية ظنّ المجتهد ظنّ خاصّ قد قام الدليل القاطع على حجّيته ، فلابدّ من تخصيص تلك العمومات.
وفي هذين الوجهين ما سيأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى.
وهناك إيرادات اخر على خصوص بعض تلك الآيات :
منها : ما اورد على الآية الاولى من أنّ المراد بالحقّ الثابت المعلوم ، فالمقصود أنّ المعلوم الثابت لا يترك بالمظنون ، إذ الظنّ لا يغني عنه حتّى يترك لأجله ، وهو حينئذ ممّا لا كلام فيه ولا يفيد عدم جواز التمسّك بالظنّ مطلقا.
وفيه : أنّه خلاف ما يستفاد من ظاهر الآية فإنّ الظاهر أنّ المراد بالحقّ هو الأمر الثابت في الواقع والمراد بعدم إغناء الظنّ عنه عدم كونه طريقا موصلا إليه كافيا في الحكم به.
وقد فسّره بذلك الرازي في تفسيره أو أنّه يراد به العلم أيّ أنّ الظنّ لا يغني من العلم شيئا ولا يقوم مقامه ، وقد فسّره الطبرسي به في المجمع ، وعلى كلّ من الوجهين يفيد المقصود.
ومنها : ما قد يورد على الآية الثانية من أنّ الذمّ هناك بمقتضى ظاهر الآية على حصرهم الأمر في اتّباع الظنّ. فغاية الأمر أن تدلّ الآية على لزوم تحصيل العلم في بعض المسائل ، وعدم جواز الاقتصار على الظنّ في الجميع ، ولا كلام لأحد فيه.