ويمكن الجواب عنها بنحو ما مرّ. ويرد عليها أيضا أنّ ما تفيده تلك الروايات عدم الاتّكال على الظنّ من حيث هو حسب ما ذكر في مفاد الآيات ، وهو خارج عن محلّ الكلام.
وقد توافقت عن المنع منه الأفهام فلا تدلّ على المدّعى ، وأيضا أقصى ما تفيده عموم المنع عن الأخذ بالظنّ ، وقد خرج ظنّ المجتهد ، للأدلّة القاطعة الدالّة على حجّيته ، فأقصى ذلك تخصيص العامّ أو تقييد المطلق ، لقيام الدليل عليه.
ويمكن دفع الوجهين بأنّ ذلك لا ينافي ما هو المقصود من الاحتجاج بتلك الظواهر ، حيث إنّ المقصود من ذلك بيان أنّ مقتضى الأدلّة القائمة من الكتاب والسنّة عدم حجّية شيء من الظنون إلى أن يقوم دليل على حجّيته ، فإن تمّ الدليل على حجّية خصوص ظنّ المجتهد مطلقا فلا كلام ولم يزاحمه شيء من تلك الظواهر ، وإلّا كان مقتضى الدليل المذكور المنع من الأخذ به كذلك ، وهو ظاهر ، وسيأتي إن شاء الله توضيح القول فيه.
ـ الثاني ـ
الإجماع ، ويقرّر بوجوه :
أحدها : الإجماع على عدم حجّية الظنّ وأنّ الحجّة إنّما هي العلم وأنّ على كلّ من الأحكام الشرعيّة دليلا قطعيّا يصل إليه الطالب ، فلا فرق بينهما في ذلك ، ولا وجه للرجوع إلى الظنّ في الفروع كما هو الحال في الاصول. يظهر ذلك من السيّد في ما حكي عنه قائلا : «إنّ الخلاف في فروع الدين يجري مجرى الخلاف في اصوله. وهذا المخالف في الأمرين على حكم واحد ، لأنّ فروع الدين عندنا كاصوله في أنّ على كلّ واحد منها أدلّة قاطعة واضحة لا محالة ، وأنّ التوصّل إلى العلم بكلّ من الأمرين يعني الاصول والفروع ممكن صحيح ، لأنّ الظنّ لا مجال له في شيء من ذلك ولا الاجتهاد المفضي إلى الظنّ دون العلم، والشيعة الإماميّة مطبقة على أنّ مخالفها في الفروع كمخالفها في الاصول في الأحكام» انتهى.
والإجماع المذكور وإن قضى ببطلان القول بحجّية مطلق الظنّ إلّا أنّه مخالف